الريف الذي نريد ..

أنوار فارسي

المتتبع لمسار الحراك الشعبي على امتداد المجال الجغرافي للريف لابد وأن ينتبه للمتغيرات والتطورات التي طرأت في الساحة بكل وعي ومنطق بعيدا عن الخضوع للعاطفة وحملات التهييج التي تقودها بعض العناصر عبر وسائط التواصل الاجتماعي..

فالحديث عن استمرار الحراك كما بدأ هو هروب من الحقيقة كما أن الاعتقاد بالحفاظ على نفس الإيقاع والتأثير في الشارع هو قول مجانب للصواب، لسنا نسعى من هذه القراءة التحليلية تبخيس جهة أو أطراف بقدر ما ننبه إلى أن المعطيات والظروف التي كانت سببا في خروج الآلاف من المحتجين لم تعد حاضرة اليوم لاعتبارات عدة أبرزها أن الجهات الرسمية التقطت ما يكفي من الإشارات لتجاوز لحظة أزمة عابرة ناتجة عن ضعف في الحكامة والتدبير الذي لا يمكن تحميل مسؤوليته للدولة بقدر ما هي مسؤولية مشتركة تتطلب تظافر جهود الجميع بما فيها ساكنة منطقة الريف التي اتضح وبالملموس أن لها وجهات نظر معتدلة ومتفهمة للوضعية الحالية التي تعتبر مرحلة انتقالية تستوجب قليلا من التريث و الصبر و الحكمة وعدم المجازفة أو التهور وراء خطابات تلامس المشاعر عن طريق استدعاء الوازع القبلي ونشر أفكار تطغى عليها المظلومية والتباكي..

إن الزائر اليوم لأقاليم الريف الثلاث بدءا من الناظور سيتأكد له أن الحياة تسير بشكل عادي و طبيعي و لا أثر لتلك الصور المبالغ فيها المنقولة عبر الهواتف و شبكة الانترنيث وأخبار شبكات التواصل الإجتماعي، حيث أن ساكنة الناظور لم يعد يحضر الحراك في نقاشاتها كما في السابق اقتناعا منها أن الدولة و على رأسها المؤسسة الملكية حريصة على أن يتم تصريف شؤون المنطقة بما يجب من الجدية وتثمين مؤهلات المنطقة وتسخير الموارد المالية الكافية للرفع من الجاذبية الاقتصادية وتحفيز الاستثمار وخلق قطب تنموي متكامل.

و لعل متتبعي الشأن المحلي سيقفون عند رغبة المجتمع المدني بالناظور في تخطي حالة البلوكاج عن طريق حوار صريح يضمن تنفيذ سياسات و برامج الدولة ويلبي حاجيات المواطنين الواردة في قائمة المطالب المرفوعة من لدن المحتجين خلال الشهور الستة الأخيرة.
الأمر الذي يجعلنا نسجل وجود فارق شاسع بين وجهة نظر ساكنة إقليم الناظور التي ترى في الحوار والتواصل مخرجا للأزمة و كذلك إقليم الدريوش باستثناء أصوات هنا و هناك من فئة الشباب العاطل و الطلبة التي لا ترى في الحوار حلا كما أنها في نفس الوقت لم تلتحق بصفوف المحتجين لاعتبارات موضوعية أهمها احتكار بعض الوجوه للفعل الاحتجاجي و رفضها كل مبادرة تتوخى بناء الثقة بين الساكنة و الدولة.
أما الحسيمة فهي عبارة عن تباينات مجتمعية مختلفة تحمل أفكارا وتصورات في مجملها واعية بما تقوم به الحكومة الآن عبر زيارات وزراء ومسؤولين و الرفع من وتيرة انجاز مجموعة من المشاريع الحيوية و إعطاء الانطلاقة لأخرى مع ما سيتم الشروع فيه من برامج في التشغيل والاستثمار و البنية التحتية في التعليم والصحة بشكل أساسي.

ومقابل ذلك تبقى الخرجات الداعية إلى الخروج للشارع بكثافة محاولة للركوب على فترة الذروة التي تعرف توافد جاليتنا من ديار المهجر و توظيف التعاطف مع المعتقلين لابتزاز الدولة و الضغط عليها وهي محاولات مكشوفة أجندتها والواقفين وراءها لكن في ذات الوقت على مكونات المجتمع المدني بالحسيمة التي تحتفظ بحس عالي من المسؤولية أن تكون أكثر حذرا في استغلال رصيدها النضالي وامتدادها المجتمعي في مخطط يرفض كل انفراج و يتمسك بالتصعيد و لا شيء غير التصعيد حتى تتفاقم الأمور و تتاجر كما يحلو لها في ملف الحراك داخل منتديات و محافل بأوروبا خاصة.

ما هو مؤكد اليوم أن أعداء الوطن يسابقون الزمن لاستغلال موسم عودة مغاربة العالم لخلط الأوراق من جديد، وهنا لابد لذوي العقل والحكمة من أهل الريف شبابا وشيابا أن يتعاملوا مع هذا المستجد الداعي إلى الخروج للشارع بكثير من الذكاء و الحيطة، أما قضية المعتقلين فهو موضوع له مساطره وتتحكم فيه مجموعة من العوامل التي فرضها التحقيق لتحديد كل الملابسات التي فرضتها لحظة ما بعد مقتل محسن فكري والتأكد من المعطيات والمؤشرات التي أظهرتها تحركات بين المغرب و أوربا تحصينا للوطن ضد كل الاحتمالات المطروحة التي تتهدد وحدة الوطن، على أن يعي الجميع أن الحسم في ملف المعتقلين هو بيد القضاء الذي لنا الثقة فيه ضماناته الأمل في أعلى مؤسسة في البلاد التي تتابع عن كثب ما يجري من تطورات بعدما أعطى جلالة الملك تعليماته لتتحمل الحكومة مسؤوليتها كما يجب، فصورة الحسيمة اليوم أبعد بكثير عن ما تتناقله الصفحات الزرقاء من مشاهد الخوف والترهيب النفسي والتشكي لأن واقع الحال أفضل وبمقاييس عالية في الأمن والقدرات والمؤهلات التي تنتظر من يثمنها بشكل إيجابي برؤية متفائلة لا بخطاب عنيف يبخس كل شيء ويرسم صورة سوداء عن كل شيء.
ولمن اختلطت لدية الصور ندعوهم لزيارة الحسيمة وباقي أقاليم الريف المجاهدة للوقوف على حقيقة كلها أمل ومحفزات لذلك الريف الذي نتطلع إليه جميعا، لا ذاك الريف الذي ترسم صوره عقد نفسية وأحقاد تنتظر اللحظة المناسبة للتفرقة بين مكونات الوطن الواحد.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح