أما آن لهذا الربيع أن يزهر..؟

عبد الوهاب بنعلي

دائما كنت أقول: إن رياح “الربيع العربي” لا زالت تحوم فوق أرضنا لأن أرواح المظلومين لا زالت تحلق في سمائنا ترفرف بأجنحة خضراء تطالب ربها أن ينصفها ويأخذ مظلمتها من “أرباب الأرض” الظلمة.. لذلك لا تستغربوا إذا حجبت هذه الأرواح المحلقة في سمائنا الغيث الذي يحتاجه ترابنا، لأن ذلك الغيث لا ننتفع به نحن الصغار كثيرا، إنما ينتفع به “أرباب الأرض” من الاقتصاديين الكبار والسياسيين الفجار وفلاحين المليون هكتار وأباطرة أعالي البحار…

إن الأسباب التي جعلت حركة 20 فبراير تخرج إلى الشارع لتطالب بالتغيير لا زالت قائمة، وتلك المطالب المشروعة لا زالت قائمة.. فلا حرية استنشقنا نسيمها، ولا عدالة اجتماعية احتمينا بظلالها، ولا كرامة رأينا ملامحها، ولا شغلا سد جوعتنا.. ولا شيء في الأفق يوحي بإرادة حقيقية تخرجنا من هذه الظلمات التي نعيش فيها، إلى نور نحلم به مذ كنا أجنة في بطون أمهاتنا..

دستور جديد.. انتخابات جديدة.. حكومة جديدة.. لكن لا زال الوضع قديما، ولا زال حلم الديمقراطية حلما.. لأن الآليات قديمة، وإرادة الانتقال من الأقوال والوعود الزائفة إلى الأفعال والتنزيل الرشيد غير قائمة.. لذلك لا تستغربوا مما يحدث ومما سيحدث.. فالشعب المقهور إذا انتفض يصبح ثورا هائجا لا يزيده التلويح بالراية الحمراء إلا هيجانا، ولا يزيده التلكؤ إلا إصرارا، ولا القمع إلا استمرارا..

كم من شباب احترق وأصبح جثة متفحّمة.. وكم منهم رمى بنفسه في قوارب الموت فأصبح طعما سائغا للحيتان.. وكم منهم تنهش أمعاءه البطالة دون أن يجود عليه أحد بحل ينقذه من مخالب الفقر… كم من امرأة اضطرت إلى بيع عرضها لإنقاذ رضيعها من الموت.. وكم من “الكم” الهائل من المظلومين تحت أشعة الشمس الحارقة في وطني وتسألون بعدها لماذا غضب الشعب.. ؟!

ألم تكن شرارة “ثورة الياسمين” في تونس احتراق جسد شاب بائع للخضر.. ؟ وهي الثورة التي أنجبت ثورات أسقطت عروشا تآكلت أركانها باستفحال ظلم الجالسين عليها في جسد الأمة.. واليوم يُطحن شاب بائع للسمك لا ذنب له إلا أنه ولد قدرا في بقعة جميلة من هذه الأرض، لكنها بقعة حكم عليها بالتهميش والإقصاء منذ زمن بعيد على الرغم من كونها أول بقعة تشهد ميلاد أول إمارة إسلامية بهذا البلد الحزين..

فلا تسألوا الشباب لماذا غضبت إذا غضب.. ولا تسألوه لماذا ثرت إذا ثار.. ولا ما حملك على الانتفاضة إذا انتفض.. فلا شيء يوحي بتغير الأوضاع وتحسن الأحوال على الرغم من المساحيق الرديئة التي تحاول أن تجمل وجه الظلم البشع..
أفقرتموهم.. أذللتموهم.. هجّرتموهم.. قتلتموهم.. أحرقتموهم.. طحنتموهم.. قمعتموهم.. حتى ملك البلاد لم يستوعب جيدا طبيعة تفكيركم، فضاق بكم وبسياستكم الفاشلة ذرعا، وجعلتموه يغير نبرة وأسلوب خطاباته ، حتى أصبح بدوره يسأل عن الثروة المنهوبة والإدارات الظالمة و مصير الشعب المكلوم…

وبعدها تسألون ماذا جرى.. ؟ وتأمرون الناس أن يصبروا على المزيد من الظلم والذل والقهر و”الحكرة”… ؟؟!!
كل يوم يتأكد لي بأنه لا شيء سيتغير في وطني ما دام الظلم متواصلا وإرادة التغيير شبه منعدمة.. أما آن لهذا الربيع أن يزهر.. ؟ أما آن لهذا الظلام أن ينجلي.. أما آن لهذا الجرح أن يندمل..؟ أما آن لهذا النزيف أن يتوقف.. ؟

نحن لا ندعو إلى ثورة عنيفة تأتي على الأخضر واليابس وتهلك الحرث والنسل كما هو حال الكثير من الثورات التي خربت دول عربية بأكملها، لكننا ندعو إلى “ثورة عقلانية”، تصلح أحوال الإدارة التي شخص بعض أمراضها صاحب الجلالة في خطابه الأخير أمام ممثلي الأمة في البرلمان، حتى لا يحس المواطن وهو يلجأ إليها مضطرا بالغبن و المهانة و”الحكرة”.. ثورة تقسم الثروة بشكل عادل، ترفع من مستوى معيشة الناس، وتهتم بإصلاح تعليمهم، وتسهر على صحتهم، وتجعل المستقبل مشرقا في عيون أبنائهم الذين أصبح حلمهم الوحيد هو هجرة هذا الوطن إلى الأبد.. ندعو إلى “ثورة أخلاقية” تزرع قيم المحبة والإخاء والتسامح والتضامن والتعايش… نريد “ثورة ناعمة” تجعلنا نحس بالأمن والأمان فوق هذه الأرض ونتشارك خضرتها كما نتشارك زرقة السماء، ونتقاسم خيراتها كما نتقاسم غيوم السماء التي نستظل بها ونلتجئ إليها حين تضيق بنا الأرض بما رحبت..

أقول هذا لأنني أثق في أن الشعب المغربي أكثر تحضرا، وأكبر وعيا، وأعرق تاريخا، وأطهر نسبا.. فهو شعب تواصل مع أعرق الحضارات والأمم التي مرت من شمال إفريقيا، كما أن الشعب الأمازيغي شعب عاشق للحرية ونخوته تأبى أن تمس كرامته، أو ينال أحد من عرضه قيد أنملة، لذلك قاوم جميع من طمع في احتلال ترابه واستعباد أبنائه.. إن الشعب المغربي شعب “كبير” لذلك ليس من السهل أن ينساق وراء أي تحريض خارجي أو تهور داخلي كيفما كان..

رحم الله شهيد لقمة الخبز “محسن فكري”، ولطف بكل المحسنين الذين يكتوون بنار ظلم ذوي القربى في صمت، ويؤدون ضريبة محبتهم لتراب هذا الوطن الذي سقوه بدمائهم وفدوه بأرواحهم.. حماك الله يا وطني من ظلم الظالمين، وجهل الجاهلين، ومكر الماكرين، وكيد المتربصين، وأطماع المتآمرين.. وحسبنا الله ونعم الوكيل..

تعليق واحد

  1. اي ثورات تتحدث عنه السي عبد الوهاب ؟ وما هي النتيجة التي حصل عليها هؤلاء ؟ الا الدمار والقتل والتخريب والسبي والتهجير وما الى ما لاتحمد عقباه , واي ربيع العربي تتحدث عنه ؟ فهؤلاء الذين خرجوا الى الشوارع من اجل دفع الظلم ورفعه عن انفسهم هل كانو يعتقدون ان يصلوا ما وصلوا اليه اليوم خصوصا سوريا ولبيا ومصر ؟وهل حققوا مبتغاهم ام زادوا للطين بلة ؟ طبعا زادوا للطين بلة .اذن الحل الوحيد هو ان اتي البيوت من ابوابها يعني ان نرجع الى ما كان عليه سلفنا الصالح في تغيير المنكر وامر بالمعروف ليس بالخروج الى الشوارع وتنديد الحكام وسبهم ورفع الشعارات التي ما انزل الله بها من سلطان ودعوة الى تقسيم البلد .وتقول ثورة عقلانية وسلمية .اي سلمية السي عبد الوهاب ؟ وهذا لا نقبله ولانرضاه فالظلم لا يقره احد منا ولكن ليس بما تعتقدون وتتوهمون بالفكر الماسوني الديموقراطي وانما كما قلت لك بالرجوع الى ما كان عليه الاولون يقول الله تعالى °°°°فان امنوا بمثل ما امنتم به فقد اهتدو وان تولوا فانما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم °°°°°فهنا الايمان يشمل الدين كله السي عبد الوهاب فالله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم ان الذين ياتون بعدك اذا سلكوا الطريق الذي سلكتموه في عقيدتهم وعبادتهم ومعاملتهم واخلاقهم واتمام الاية اتركها لك السي عبدالوهاب ……………..ثورة قرصاوية

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح