إرهاب ومخدرات وإسلاموفوبيا‎

سعيد إدى حسنسعيد إدى حسن*

شهدت الساحة الأوروبية في بداية السنة الجديدة أحداثا دموية خطيرة ستكون لها عواقب وخيمة على مستقبل المسلمين في القارة العجوز وفي الغرب عموما وتتمثل في الهجمات الإرهابية على مقر مجلة شارلي إيبدو الفرنسية وقتل طاقمها من قبل مسلحين نفذا العملية انتقاما لازدراء ذات المجلة الساخرة للديانة الإسلامية وتهجمها المستمر على نبي الإسلام محمد، صلى الله عليه وسلم. عبرنا، كما عبر مسلمو إسبانيا، عن إدانتنا الشديدة لهذا العمل الإجرامي خلال الوقفة الحضارية التي نظمتها العديد من مساجد العاصمة مدريد بدعوة من مؤسسة الثقافة العربية، الحديثة التأسيس، والتي نظمت في ساحة أتوتشا يوم 11 يناير المنصرم كما أكدنا أن الضحية الأولى لمثل هذه الأعمال الإرهابية هم المسلمون أنفسهم خاصة نحن الذين نعيش في الغرب.

يومين فقط بعد هذه الوقفة التي حظيت بتغطية إعلامية منقطعة النظير، خرجت علينا إحدى القنوات التلفزيونية الإسبانية بتحقيق من أحد الأحياء الهامشية في الضاحية الشرقية لمدريد حيث يتعايش الفقر المدقع والاتجار في المخدرات الصلبة مع مظاهر التدين المتزمت – ظاهريا – ويظهر في التحقيق إمام مسجد الحي الذي يرشد إحدى الإسبانيات التي ادعت أنها تريد الدخول في الإسلام، إلى سيدة متنقبة لم تترد في إدخالها إلى بيتها لدعوتها لاعتناق الديانة السمحاء. وبعد عشرة دقائق فقط من الحوار بدأت السيدة المتنقبة والتي يظهر – بعدما سقط عنها النقاب امام الكاميرا الخفية أن مستواها الثقافي وفهمها للدين يدعو للشفقة – في إعطاء دروس في الجهاد للصحفية الإسبانية وارشادها الى الطريق إلى معاقل المجاهدين في سوريا والعراق والتي تمر – حسب ادعاءاتها – عبر المركز الثقافي الإسلامي بمدريد والذي لم يأخذ مسؤولوه عناء تكذيب هذه الادعاءات بالرغم من أن ملايين الإسبان تابعوا ذات التحقيق. هذا فقط المشهد الأول.

أياما فقط بعد هذه الحادثة، أعلنت السلطات الأمنية في مشهد لا يقل درامية عن سابقه عن تفكيك شبكة للإتجار في المخدرات واعتقال ما يقرب من مئة مواطن من أصل مغربي يشتبه في انتمائهم لذات الشبكة. الخطير في الأمر أن السلطات تعتقد بوجود علاقات بين هذه العصابة وبعض التنظيمات الارهابية حيث ضبطت بحوزتها عدة أسلحة نارية مصدرها ليبيا كما أن أحد أعضائها يعمل كإمام في منطقة الأندلس مما دفع المحققين إلى الاعتقاد ان الأخير يلعب دور حلقة الوصل بين العصابة الإجرامية والتنظيمات الجهادية.

المشهد الثالث والذي يوضح جليا تفشي ظاهرة “التطبيع” مع الاتجار في المخدرات في صفوف المتدينين من أبناء الجاليات المسلمة هو موقف أحد الأئمة بالضاحية الشمالية لمدريد بعيد اعتقال أحد المسؤولين بالمسجد الذي يشتغل فيه هذا الإمام للاشتباه في انتمائه لعصابة للإتجار في المخدرات. هذا الإمام لا يرى حرجا في “الإنفاق في سبيل الله” ولو من أموال مشبوه في مصدرها، مما يعتبر فتوى مبطنة وتشجيعا صريحا للشباب المسلم لولوج عالم “الإجرام المباح”. والأدهى من ذلك أن رد فعل إحدى كبريات الفدراليات الإسلامية التي تنتمي إليها الجمعية كانت فاترة لدرجة مريبة، فقد فضلت سياسة النعامة بدل فتح تحقيق صارم وتهديد المسؤولين عن الجمعية بعواقب هذا التطبيع الذي يضرب في الصميم كل مصداقية للجمعية على المستوى الأخلاقي، والذي هو عماد الدعوة وسبب وجودها.

هذه المشاهد الدرامية لا تدع مجالا للشك أن تصرفات بعض المسلمين تساهم بشكل مباشر في استفحال ظاهرة الإسلاموفوبيا أو الكراهية للإسلام والمسلمين. ولذا يتوجب علينا تنظيف البيت الداخلي من مثل هذه النماذج ومثل هؤلاء المسؤولين الدينيين وإلا سينهار علينا هذا البيت عاجلا أم آجلا.

*رئيس مؤسسة الثقافة العربية بإسبانيا

[email protected]

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح