الجزء الثاني : الاستقالة…بدل العبودية و الخضوع ألاّ إرادي
ريف ديا// أحمد علي المرس
قد يبدو للوهلة الأولى أن قدر الإنسان الأكبر هو الوجود بحد ذاته، أي أن يكون موجودا، ولكن بقليل من التأمُّل سنرى أن الوعي بهذا الوجود هو القدر الحقيقي، بالرغم من تقدم المستوى المعرفي في المجتمعات بالمقارنة بالمعرفة في كل المجتمعات التي مرت عبر التاريخ…حيث يتميز العصر الحالي بالمعرفة التي كانت أساساً سبيلاً ليقدر الإنسان على التفكير بطريق سليمة، وتكون منار أمامه يُمكّنه من الاختيار بمقدراته العقلية، والعلمية والفكرية لكن يأبى العديدين إلا أن يستمروا تحت سلطة الطبيعة العبودية في النفس البشرية و الخضوع ألاََ إرادي الذي أصفه بتلقائي بحيث تصبح عبدا دون ان تشعر.
هناك من يفتك بالحياة، وهناك من تفتك به الحياة، فيقع ضحية ظروف لم يملك حيالها إلا المواجهة أو الاستسلام، وقلما يفلح في الانتصار، فيضطر إلى تقبلها بصدر رحب ويستسلم ، هؤلاء الذين يملئون جنبات الحياة، مليؤون بما يكفي من الأسباب لكي يصيروا هكذا، لقد استسلموا مرغمين لظروف أنجبتهم، وجعلتهم يتمنون أن يصيروا أفضل، لكن ذلك يبقى مجرد أمنيات، هيهات…هيهات بين الحلم و الواقع ، لأن الحياة بمكرها جعلتهم مستسلمين لظروفهم القاهرة، حتى باتوا لا يطلبون المستحيل، ولم يحلموا بأشياء عصية، لقد اعتادوا البساطة و الخضوع لأمر الواقع الذي فرضته الرأسمالية و القوى المتحكمة و الطاغية.
البسطاء كانت أحلامهم بسيطة و ساتظل كذلك_ البيت _العمل_السيارة _قليل من المال- هذه هي احلام البسطاء و التي هي في الأصل حقوق و ليست فقط مطالب، لكن الحياة لا تسير بهذه البساطة، الحياة تفرض سلطانها وقوتها في جميع الأحوال، ومن لم يعتد على ذلك، لن يصل إلى أكثر مما هو فيه ، لأن صاحب الضيعة لا يريد.
الدافع الرئيسي الذي أدى إلى استمرار الحياة البشرية، وتبقى رغبة الإنسان الحر أن يقدر أن يمتلك حريته بالثمن الذي تقدره ظروفه، ليكون إنسان بالمعنى الصحيح والكامل للكلمة
ينبغي أن نتعلم أن نأخذ ظروف الآخرين بعين الاعتبار، وألا نحاكمهم انطلاقا من الوضعيات التي نصادفهم من خلالها، فالمجرم قد تكون الظروف هي التي جعلت منه مجرما و حكم المجتمع و العاهرة و الفاسد و سارق و المرتشي و الخائن لوطنه و المثلي و نرجسي…، وحتى أولئك الذي يعملون في أعمال بسيطة، تلك التي يحتقرونها في مجتمعاتنا مثل عمال النظافة و البناء و …و ، هؤلاء أجبرتهم الظروف على ذلك، ربما يخبئون في دواخلهم مرارة حظهم، وربما لم يجدوا بديلا من تقبل واقعهم، أو لم يجدوا من يسعفهم في تغييره، وهذا لا يعني أنهم غير قادرين على تغييره، بل إن ذلك هو أقصى ما منحهم الواقع و صاحب الضيعة و الزبانية و أعوان الظلمة.
كلنا جئنا نتيجة ظروف دفعتنا لنكون كما نحن، قد لا نكون الأفضل، لكننا على الأقل ينبغي أن نواجه الحياة، وألا نقف لنتفرج فيها، ذلك لأن الحياة لا تأخذ ظروفنا بعين الاعتبار، ونظرا لأن لكل واحد منا ظروف دفعته ليبدو بالشكل الذي هو عليه، التصنع، النفاق الاجتماعي ،و التملق ولحيس لكابا.
فإن مثل صاحب الضيعة الزبانية و أعوان الظلمة مثلهم مثل الطغاة على مر التاريخ هم من جلب الخراب لكل بلد و البشرية ، فما من مكان إلا وعثرت فيه خطوة طاغية إلا وحلَّ الخراب عليه وعلى من سكتوا عنه وصنعوه بتمجيدهم الأخرق نحن من يصنع المتسلط و نحن من يوصله السدة الحكم.
ومن الشدة الخوف من المستقبل و المجهول و ما تخبئه لنا الايام نصيروا عبيدا، وكان لزاما علينا أن نحترم الأخرين، وأن نضع ظروفهم دوما في الحسبان، ومن ثم العيش في طبيعة الضحية المستمرة للوقائع و الظروف المحيطة، من مجتمع وجغرافيا وتاريخ معين. بالتالي قدرة عالية على اللوم المستمر، إذاً تستطيع العبودية أن توفر للإنسان ما يمكنه بشكل مستمر من رمي الظروف والمُستعبِد بكل الاتهامات التي أدت به إلى السير في هذا الطريق والاضطرار إليه…
الاستبداد سبب الفساد والخراب، ولو أقيم العدل المنشـــود لتنعمت الأوطان في خير وسلام ولكن لما طغى قانون الغاب.