إطلالة على الفيلم الأمازيغي: جثة على ضفاف مارتشيكا

ريف ديا
بقلم الدكتور جمال الدين الخضيري
من يشاهد المنجز السينمائي للمخرج الأمازيغي أكسيل (محمد فوزي)، لا سيما الفيلمين (أمْزِيوَن: وحوش) و (أريمث خ ثما ن مارتشيكا: جثة على ضفاف مارتشيكا) سيلاحظ طفرة واضحة في صناعة الفيلمين السالفي الذكر، بداية من السيناريو، والرؤية الإخراجية (السرد الفيلمي والتقطيع المشهدي)، وهو ما يشكل قطيعة مع السينما الأمازيغية السائدة التي تميزت بمواضيع نمطية، وبتقنيات معهودة لدرجة التكرار وفق نماذج متداولة.
إن الفيلم الذي عُرض اليوم في إطار المهرجان الدولي، الذاكرة المشتركة المقام بمدينة الناظور في دورته 13، وهو (جثة على ضفاف مارتشيكا) والذي دام أكثر من ساعتين تناول موضوعا فريدا يتعلق بجريمة قتل في ظروف غامضة لأحد المهندسين المعماريين الذي شخصه (عبد الواحد الزوكي)، وسيتولى مفتش شرطة (سعيد المرسي) أمر التحقيق في هذه الجريمة ومواكبة مختلف حيثياتها، تتعقد الأمور أكثر أثناء التحقيق لتعدد المشتبهين فيهم، وستتلقى زوجة المهندس، حيث أدت هذا الدور الممثلة (شيماء علاوي) بانفعال أحيانا وببرود مثير للاستغراب أحيانا أخرى رغم أنها حامل ولم يشكل لها هذا النبأ التراجيدي أي صدمة أو مضاعفات، وتصل الأحداث للذروة عندما يكشف الفيلم عن خيوط الفساد المتشابكة في مدينة الناظور خاصة في قطاع العقار الذي يتحكم فيه لوبي قوي تجسده شخصية الحاج (فاروق أزنابط)، في الأخير بعد استماع مفتش الشرطة لشتى الروايات المسرودة من شخصيات الفيلم (المشتبه فيهم) وكذا (الشهود) على مختلف الأحداث المفصلية، سيصل إلى تفكيك لغز الجريمة التي اقتُرِفت من لدن أحد أصدقاء الضحية، وهو مهندس معه في الميدان والذي شخصه(طارق الصالحي)، بعد أن أعماه الحسد، وافترسته الغيرة، من نجاحاته وتميزه ، وكذا من وضعه العائلي.
الفيلم يربط بين الهندسة عموما وشكل العمران وجمالية المدينة وبين طباع الناس، وكأن الجريمة المقترفة ما هي إلا نتاج لبشاعة المدينة التي تتحكمها الفوضى والعشوائية، فالجمال كل لا يتجزأ ، فإن لم يتجسد في البيئة التي نعيشها، ونصنعه في محيطنا وفي منازلنا لن نجده في معاملاتنا، فمن الطبيعي أن ننزع نحو تدمير ذواتنا، فكما نغتال الطبيعة المحيطة بنا نغتال كل من يحمل قيم الجمال والسُّمُو.
يمتاز الفيلم ببعد نفسي واضح، إذ يلج إلى دواخل الشخصيات، كاشفا عما تعجّ بها من تناقضات، ولقد نجح في ذلك المخرج نجاحا كبيرا، حتى أصبح هذا المنحى أسلوبا يتميز به، لذا نجده يكثر من الحوارات والمونولوجات، والحكي المتعدد من خلال رؤى وروايات مختلفة، مما أسقط الفيلم أحيانا في خانة أدبية مفعمة بالسرد على حساب بلاغة الصورة وتواتر الحركة.
ثمة رؤية إخراجية متمرسة وعالمة بخبايا الصناعة السينمائية نجدها عند المخرج أكسيل في جل أعماله ويتجلى ذلك في التقطيع المشهدي، والكولاج والإدغام لأكثر من صورة في مشهد واحد تختلط فيه الأحداث لدرجة الالتباس، كما حصل في هذا الفيلم من خلال استحضار ما هو مُغيّب، وما هو ميِّت ومُنتهٍ، في تداخل بين الواقعي والمتخيل أوالفنطازي. مما جعل هذا الفيلم يتماهى مع أسلوب أغاتا كريستي في التغريب والتشويق وصدم المتفرج.
صحيح أن في الفيلم ثغرات وسقط في بعض الزلات أُرْجِئُها لموضوع لاحق، فلي عودة لهذا الفيلم دراسة وتحليلا من خلال شتى عناصره الفكرية والجمالية، فالمناسبة شرط كما يقال، والفيلم يتسابق على جوائز المهرجان ولا داعي لتشكيل أفق المتلقي أو توجيهه في هذا الوقت المبكّر.