بين الإنتربول والجمارك: ثغرات مراقبة تتيح لعصابة دولية تهريب السيارات إلى المغرب
ريف ديا // أحمد علي المرس
قضت محكمة الاستئناف بمدينة طنجة، في قرار لافت يعكس تصاعد حدة مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، بأحكام سجنية نافذة بحق عصابة دولية متخصصة في تهريب السيارات المسروقة من أوروبا إلى المغرب، ضمن مخطط محكم يهدف إلى تحويل هذه السيارات نحو أسواق إفريقية باستخدام وثائق مزورة.
جاء الحكم القضائي ليشمل السجن سنتين نافذتين بحق متهمة تحمل الجنسية الإيطالية، ورجل موريتاني الأصل، إضافة إلى السجن أربع سنوات نافذة بحق المتهم الثالث. بينما استفاد شاب مغربي الأصل من حكم البراءة لعدم كفاية الأدلة، وفق ما أظهرته التحقيقات القضائية.
بحسب مجريات التحقيقات التي قادتها الأجهزة الأمنية، تم تفكيك هذه الشبكة عقب رصد أنشطة مشبوهة لتهريب سيارات مسروقة من مدينة جنوة الإيطالية إلى المغرب. وقد اعتمدت العصابة على وثائق مزورة مكنتها من تجاوز نظم المراقبة الأوروبية، بما فيها نظام “الإنتربول” الذي يُعد قاعدة بيانات دولية تحتوي على كافة المعلومات المتعلقة بالسيارات المسروقة عبر القارة.
الشبكة كانت تعمل بمنهجية متطورة، تستغل الثغرات اللوجستية والإدارية في الموانئ المغربية، حيث تم تقديم حجج بأن السيارات المهرّبة لن تُستعمل داخل المغرب، بل وُجهت للأسواق الإفريقية. هذا الادعاء، وإن بدا مبررًا قانونيًا على السطح، إلا أنه أتاح للعصابة تهريب السيارات عبر الحدود دون تنقيطها في الأنظمة المعلوماتية المتخصصة التابعة للاتحاد الأوروبي.
تشير هذه القضية إلى خطورة الجريمة المنظمة التي لا تقتصر على دولة بعينها، بل تمتد عبر عدة دول، مستغلة التعاون المحدود بين الأنظمة المعلوماتية لبعض الدول، وغياب الربط المباشر بين موانئ العبور وأنظمة مراقبة الإنتربول. كما أثارت القضية تساؤلات حول دور المؤسسات الجمركية وفعالية الإجراءات المتبعة للتأكد من صحة الوثائق المرفقة مع السيارات الواردة. إذ كشفت التحقيقات عن استغلال منهجي للثغرات القانونية والإدارية، بما في ذلك غياب تنقيط السيارات في الأنظمة الأوروبية، ما جعل من السهل التلاعب بمساراتها.
هذا الحكم يشكل رسالة واضحة وصارمة لكل من تسول له نفسه استغلال الحدود المغربية لتمرير أنشطة غير قانونية. كما يُبرز جهود المملكة في تعزيز منظومة العدالة الجنائية لمواجهة الجريمة المنظمة بشتى أنواعها. إلا أن هذا الملف يسلط الضوء أيضًا على ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأوروبية ودول شمال إفريقيا، خاصة في مجال تقوية آليات الرقابة الحدودية، وتبادل المعلومات الأمنية بشكل أكثر كفاءة.
بينما يُعد هذا الحكم خطوة إيجابية، يبقى على السلطات المغربية مضاعفة جهودها لتحصين منافذها الحدودية والموانئ من الاستغلال الإجرامي، وذلك عبر تحديث الأنظمة المعلوماتية بربط الأنظمة الجمركية بالمنظومة الأوروبية بشكل مباشر، وتعزيز التنسيق الدولي مع المؤسسات الدولية المعنية بالجريمة العابرة للحدود، إضافة إلى التدريب المستمر للأطر الجمركية والأمنية للتعامل مع شبكات التزوير المتطورة. إن هذه القضية تذكرنا بأن العالم أصبح أكثر ترابطًا، وأن الجرائم التي تبدأ في جنوة قد تجد طريقها إلى قلب إفريقيا، مرورًا بموانئ المغرب، ما يفرض على الجميع اليقظة والتنسيق المستمر لضمان حماية الحدود والمصالح الوطنية.