الخضير الحموتي: إرث مقاوم أجهضه التآمر الجزائر، الخضير صانع التاريخ الذي شوهه الجحود الجزائري،
ريف ديا// أحمد علي المرس
محمد الخضير الحموتي: رمز المقاومة المغربية وحارس الثورة الجزائرية المنسي
في زيارة تاريخية إلى مدينة بني أنصار، حط الوفد الجزائري المكون من شخصيات بارزة، منهم المعارضان والصحفيان الجزائريان هشام عبود وأنور مالك، إلى جانب الكاتب والإعلامي الجزائري وليد كبير، ورئيس التجمع العالمي الأمازيغي رشيد راخا، ومديرة جريدة “العالم الأمازيغي” أمينة بن الشيخ. جاءت هذه الزيارة لإعادة تسليط الضوء على مسقط رأس أيقونة المقاومة المغربية محمد الخضير الحموتي، الرجل الذي سجل اسمه بحروف من ذهب في سجل النضال التحرري، ليس فقط على المستوى الوطني، بل أيضًا في دعم الثورة الجزائرية.
وُلد محمد الخضير الحموتي يوم 1 فبراير 1936 بمدينة بني أنصار في إقليم الناظور، لعائلة ريفية اشتهرت بالتجارة. كان والده، حمو الطاهر، التاجر الوحيد تقريبًا في المنطقة، يُمد الأسواق المغربية بالبضائع المستوردة من مليلية المحتلة، وهو ما أكسب العائلة مكانة اقتصادية واجتماعية مرموقة. هذه الخلفية أهلت محمد الخضير للعب دور محوري في التجارة، لكنه لم يكتف بذلك، بل جعل من موقعه الاقتصادي نافذة للنضال ضد الاستعمار، مستثمرًا موارده في دعم قضايا التحرر.
ارتبط اسم الحموتي ارتباطًا وثيقًا بالثورة الجزائرية، إذ لم يكن بيته في بني أنصار مجرد مأوى لقادة الثورة، مثل أحمد بن بلة ومحمد بوضياف وعبان رمضان، بل كان قاعدة خلفية لوجستية، يوفر لهم الأسلحة وسبل الدعم عبر شبكة من العلاقات الدولية التي نسجها بعناية فائقة. وفقًا لشهادة نجله، كان الحموتي يسخر سفنه، مثل “فيكتوريا” و”ميليلو”، لنقل الأسلحة إلى الثوار الجزائريين مجانًا.
لم يكن دعمه مقتصرًا على الجانب المادي فقط، بل شارك في التخطيط السياسي للثورة الجزائرية، حيث حضر مؤتمر الصومام السري عام 1956 وأسهم في تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. غير أن النظام الجزائري لم يقابل هذا الإخلاص بالوفاء. ففي أعقاب حرب الرمال سنة 1963، عاد الحموتي إلى الجزائر في محاولة لرأب الصدع بين البلدين، لكنه اختفى في ظروف غامضة، وسط تقارير تشير إلى اغتياله من طرف النظام الجزائري، وهو الأمر الذي يؤكد الجحود الذي قوبلت به تضحياته.
مؤخرًا، عادت قضية محمد الخضير الحموتي إلى الواجهة بفضل زيارة هشام عبود لبني أنصار، حيث عرض وثائق نادرة تُبرز مساهمات الحموتي في الثورة الجزائرية. هذه الوثائق، التي تضم تقارير وصورًا وبيانات صادرة عن وزارة التسليح والاتصالات العامة الجزائرية “المالغ”، أضحت محل جدل كبير بعد دعوات عبود لنقلها إلى متحف المجاهد في الجزائر العاصمة. دعوة أثارت استياء العديد من المغاربة، الذين رأوا في ذلك محاولة جديدة لطمس دور المغرب في دعم الثورة الجزائرية.
الإصرار على إبقاء هذه الوثائق في المغرب ليس مسألة رمزية فقط، بل واجب وطني لحماية إرث المقاومة المغربية وصيانة الذاكرة المشتركة المغربية الجزائرية التي حاول النظام الجزائري طمسها. إن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتولي مسؤولية حماية هذا الأرشيف، لما له من أهمية في إبراز نبل الموقف المغربي الرسمي والشعبي تجاه الثورة الجزائرية، التي سخّر لها المغرب موارده وطاقاته.
ورغم الجهود المغربية لدعم الثورة الجزائرية، أظهر النظام الجزائري مرارًا تنكّرًا لهذا الدور، بل ومضى أبعد من ذلك عبر الترويج لخطاب معادٍ للمغرب. هذا النهج، الذي يقوم على طمس الحقائق التاريخية، يُظهر مدى رغبة النظام الجزائري في طمس كل ما يربط الجزائر بالمغرب من روابط نضالية وتاريخية، حتى يضمن استمرار عدائه المفتعل للمغرب في خدمة أجنداته السياسية الداخلية.
إن قضية محمد الخضير الحموتي ليست مجرد قصة رجل قاوم الاستعمار وساعد الثورة الجزائرية، بل هي قصة شعب مغربي بأكمله آمن بوحدة المصير المغاربي وناضل من أجله. ولأن النظام الجزائري اختار الجحود بدل الوفاء، يبقى دورنا اليوم هو الدفاع عن هذا الإرث، ليس فقط باعتباره جزءًا من تاريخنا، بل لأنه شهادة حية على التضامن النبيل الذي جمع الشعبين المغربي والجزائري في وجه الاستعمار.