القانون الجمركي الجديد: هل هو ضبط للأسواق أم عبء إضافي على التجار؟
![](https://i0.wp.com/rifdia.com/wp-rif/uploads/إدارة-الجمارك.jpg?resize=750%2C410&ssl=1)
ريف ديا // أحمد علي المرس
في ظل مشهد اقتصادي مضطرب وضغوط مالية تتفاقم يوماً بعد يوم، جاء مشروع قانون المالية لسنة 2025 ليطرح على الطاولة حزمة من التعديلات الجمركية والضريبية التي لم تخلو من الجدل. فبين محاولات تحسين الأداء المالي للدولة وتخفيف العبء عن بعض القطاعات، تظل التساؤلات قائمة حول مدى نجاعة هذه التعديلات في تحقيق الأهداف المعلنة.
إصلاحات جمركية: بين الضبط والتضييق، أحد أبرز الإجراءات التي حملها المشروع هو إحداث جنحة جمركية جديدة تتعلق بالحيازة غير المبررة للأختام الجمركية أو التزويد بها أو استعمالها. ورغم أن الحكومة تبرر هذه الخطوة بضرورة إحكام الرقابة والحد من التجاوزات، فإنها تثير مخاوف من تعقيد الإجراءات وزيادة القيود على العاملين في القطاع الجمركي، بدلاً من تقديم حلول أكثر فاعلية وشفافية.
في الوقت نفسه، شملت التعديلات تخفيف العقوبات على بعض الجنح الجمركية. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء قد يبدو إيجابياً من حيث تخفيف الأعباء على المستوردين، إلا أنه يحمل مخاطر استغلال الثغرات القانونية بما قد يؤدي إلى تفاقم الممارسات غير القانونية.
أما على مستوى الرسوم الجمركية، فقد شهدت تعديلات متباينة أثارت انتقادات واسعة. تخفيض رسم استيراد عسل المائدة من 40% إلى 2.5% يظهر كخطوة لتحفيز استيراد منتجات استهلاكية، في حين أن رفع رسم الاستيراد على أسلاك الألياف الضوئية من 10% إلى 17.5% قد يعوق تطوير البنية التحتية الرقمية التي تحتاجها البلاد بشدة، مما يعكس تناقضاً في ترتيب الأولويات الوطنية.
مخالفات جديدة: تحسين الشفافية أم زيادة الأعباء؟ التعديلات الجديدة شملت فرض مخالفات تتعلق بعدم الالتزام بوضع العلامات الجبائية على منتجات مثل “الغازوال” و”الوقود الممتاز”، وهو ما تبرره الحكومة بأنه جزء من جهودها لتعزيز الشفافية الجمركية. لكن على أرض الواقع، قد تؤدي هذه التدابير إلى تعقيد الإجراءات الإدارية وتعطيل النشاط التجاري، خصوصاً في ظل ما يعانيه القطاع من بيروقراطية متجذرة.
إعفاءات محدودة: خطوة مؤقتة أم معالجة سطحية؟ ضمن التدابير التي طرحتها الحكومة، جاء قرار وقف استيفاء رسوم الاستيراد على كمية محدودة من الحيوانات الحية والمنتجات الفلاحية حتى نهاية 2025، بهدف ضبط الأسعار وحماية السوق الوطنية. ورغم أهمية هذا الإجراء في توفير بعض الاستقرار للسوق، إلا أن أثره يظل محدوداً، خاصة إذا لم يكن مدعوماً بسياسات طويلة الأمد لدعم الإنتاج المحلي والحد من الاعتماد على الاستيراد الخارجي.
السياسات الجمركية: غياب الرؤية الشاملة، بين الإجراءات المختلفة التي قدمها مشروع قانون المالية لسنة 2025، يظهر بوضوح غياب رؤية إصلاحية شاملة للسياسات الجمركية. بدلاً من ذلك، تبدو التعديلات كأنها رقع مؤقتة تهدف إلى معالجة عجز مالي على حساب الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية. ومع تزايد الفجوة بين الطموحات الاقتصادية والتحديات الواقعية، تصبح الحاجة ملحة لوضع سياسات جمركية أكثر انسجاماً مع الاحتياجات الوطنية.
ختاماً : مشروع قانون المالية لسنة 2025 يمثل محاولة جديدة لتجاوز أزمات قديمة بأساليب تبدو مكررة. وبينما تسعى الحكومة لتحقيق توازن بين تحسين الموارد المالية والاستجابة لمتطلبات السوق، فإن التعديلات الجمركية المطروحة تعكس ضبابية في الأولويات ومحدودية في الرؤية. فهل ستتمكن هذه الإجراءات من تحقيق الاستدامة الاقتصادية، أم أنها مجرد محاولة لشراء الوقت في مواجهة الضغوط المتزايدة؟