سيارات الدولة تحت المراقبة مذكرة وزارية تطالب بتصحيح المسار.

ريف ديا///////أحمد علي المرس
لا شك أن ما أضحى مألوفاً على طرقاتنا من مشاهد استغلال سيارات الدولة خارج أوقات العمل يطرح أكثر من تساؤل حول مستوى الرقابة والتدبير الرشيد للمال العام. فالسيارات التي وُضعت أصلاً لخدمة المصلحة العامة وتحقيق أهداف الإدارة العمومية، باتت تُستخدم لأغراض شخصية لا تمت بصلة إلى الوظيفة، مما يُعتبر انتهاكاً صارخاً للأمانة واستنزافاً لخزينة الدولة.
إن استخدام مركبات الدولة لقضاء الحاجات الشخصية والرحلات العائلية ليس مجرد تجاوز إداري، بل هو نزيف متواصل للمال العام يثقل الميزانية الوطنية. هذه المركبات تُستهلك وقوداً وصيانةً تُسدد من خزينة الدولة، التي تُموَّل أصلاً من جيوب دافعي الضرائب. وعليه، فإن كل مخالفة أو استخدام خارج الضوابط يعكس استهتاراً بالواجب الوظيفي وعدم احترام للمسؤولية الملقاة على عاتق مستعملي هذه السيارات.
في خطوة لإعادة ضبط هذا الملف، وجه رئيس قسم الشؤون المالية والعامة بوزارة التجهيز والماء مذكرة صارمة إلى جميع مستعملي سيارات الدولة، شدد فيها على ضرورة حمل الوثائق القانونية لهذه المركبات أثناء استخدامها. ووفق المذكرة، يتعين على السائقين التوفر على وثائق مثل المهمة، وبوصلة التأمين، وورقة تعريف السيارة، ووصل أداء الضريبة، ووثيقة الفحص التقني، تفادياً لأي مخالفة قانونية أو إدارية عند نقاط المراقبة.
رغم أهمية هذه التوجيهات، فإن السؤال الحقيقي هو: إلى متى ستظل مثل هذه الظواهر بلا حلول جذرية؟ فالمذكرات وحدها لا تكفي، إذ يتطلب الأمر آليات صارمة للمراقبة والمساءلة. فلا بد من تعزيز الرقابة الميدانية والتنسيق مع الجهات الأمنية لرصد أي استغلال خارج نطاق المهام الوظيفية. كما أن العقوبات الإدارية والمالية يجب أن تكون أكثر حزماً، بل تصل إلى حد الإحالة على القضاء لكل من ثبت تورطه في هذه الممارسات.
إن الانتهاكات لا تقتصر على موظفي الدولة فحسب، بل تشمل أيضاً بعض رجال السلطة المحلية والمنتخبين الذين يتعاملون مع سيارات الدولة وكأنها ملك خاص. وهنا يجب توجيه رسالة واضحة بأن الحصانة الإدارية أو السياسية لا تعني الإفلات من العقاب. يجب أن يُضرب بيد من حديد على يد كل من يتلاعب بمقدرات الشعب، دون أي تمييز أو استثناء.
إن إصلاح هذا الملف يتطلب نهجاً شاملاً يبدأ من تفعيل دور المفتشيات العامة في الوزارات لرصد التجاوزات، وتعزيز ثقافة النزاهة والشفافية لدى المسؤولين. كما يجب الاستفادة من التكنولوجيا بتركيب أجهزة تتبع على مركبات الدولة، لضمان استخدامها ضمن الإطار الوظيفي فقط.
إن المال العام أمانة في يد المسؤولين، وأي استهتار في هذا المجال هو جريمة أخلاقية وقانونية يجب أن تُواجه بحزم. فالطريق نحو دولة القانون يبدأ من الالتزام والانضباط، ولن يتحقق الإصلاح إلا إذا أصبحت المصلحة العامة فوق كل اعتبار، بعيداً عن نزوات الأفراد ومصالحهم الشخصية.