خلية الاستهداف: بداية معركة ضد التلاعبات الجمركية

ريف ديا ـ احمد علي المرس

أفادت مصادر لموقع “ريف ديا ” أن خلية الاستهداف الوطنية التابعة للمديرية العامة للضرائب توصلت بمعلومات دقيقة تم إحالتها إلى فرق المراقبة الجمركية المركزية والجهوية، بغرض التدقيق في حسابات “أباطرة” قطع غيار السيارات، وذلك عبر مراجعة معاملات استيراد وتخزين وتوزيع خاصة بشركات معروفة على مستوى الوطني، يأتي هذا الإجراء بعد استشعار تورط عدد من الشركات في وقائع غش وتملص جمركيين عن عمليات سابقة، التدقيق يشمل عمليات مراقبة بعدية للواردات الحديثة في المستودعات التابعة للشركات المستوردة، ونقط البيع الخاصة بها في مدن مثل الدار البيضاء وطنجة ومراكش.
وأفادت مصادر موثوقة لموقع “ريف ديا” أن المعلومات الواردة عن الخلية تضمنت شبهات تلاعبات في فوترة واردات قطع غيار سيارات ومركبات من علامات تجارية مختلفة، تم التزود بها من شركات في أوروبا وآسيا، هذا التلاعب يتمثل في لجوء الشركات المستوردة إلى تقليص قيمة المنتجات المصرح بها بالتواطؤ مع مزودين أجانب في الفواتير ، مما حرم الخزينة العامة من مداخيل جمركية مهمة.
وأكدت ذات المصادر أن اكتشاف ثغرات الفوترة استند إلى عمليات تبادل معطيات موسعة مع مصالح جمركية نظيرة في عدة دول ، في سياق التعاون الدولي لمكافحة الغش، هذا التعاون مكّن من ضبط القيمة الحقيقية والآنية لعدد من المنتجات التي جرى تسويقها محليًا بمبالغ قياسية.
وفي سياق متصل، ستشمل عمليات التدقيق مراجعة الشهادات الواردة عن مختبرات الجودة والقياس المعتمدة من قبل وزارة الصناعة والتجارة، للتثبت من صحتها وسلامة الإجراءات المرتبطة بها، وأظهرت تحليلات خلية الاستهداف بيانات المديرية العامة للضرائب، التي كشفت عن تحقيق مستوردي قطع الغيار أرباحًا قياسية خلال السنوات الثلاث الماضية، تزامنًا مع ارتفاع أسعار هذه المنتجات في الأسواق المحلية وزيادة الطلب عليها بسبب اضطراب سلاسل الإنتاج العالمية، الشركات المستوردة استغلت القيود الجمركية المفروضة على واردات المتلاشيات ورفعت رقم معاملاتها إلى مستويات غير مسبوقة.
وسجلت أسعار قطع غيار السيارات ارتفاعًا ملحوظًا، بنسبة تراوحت بين 30 و50 في المائة لدى الموزعين، باختلاف درجاتهم، وبلغت هذه النسبة مستويات أعلى بالنسبة للسيارات الآسيوية التي تعرف شبه احتكار من قبل موزعين محددين يريدون سيطرة على السوق الواطنية للقطاع الغيار ، خصوصًا في الدار البيضاء، حيث تتمركز مقرات كبريات الشركات المستوردة والموزعة للسيارات في المملكة، كما أدى انخفاض العرض إلى رفع الطلب على “قطع الغيار المكيفة”، وهي قطع غير أصلية لكنها مصنعة وفق معايير جودة وقياس مصادق عليها.
وتشير المعلومات إلى أن عددًا كبيرًا من مستوردي قطع غيار السيارات توجهوا إلى امتهان أنشطة تجارية جانبية، استثمارًا للأرباح الضخمة التي حققوها خلال السنوات الماضية مثل الاستثمار في العقار و محلات التجارية مقاهي و مطاعم … ، وخاصة في قطاع الإنعاش العقاري، حيث أسسوا شركات وأطلقوا مشاريع في مناطق مثل الدار البيضاء ومراكش و طنجة و الناظور و أكادير .
ميناء الدار البيضاء التجاري، الشريان الاقتصادي الرئيسي للمملكة، يُعد المحور الأبرز لهذه التلاعبات، إذ يشهد رقم معاملات سنوي يُقدر بأكثر من 100 مليار درهم. لكن الممارسات المشبوهة حولته إلى مرتع للتلاعبات الجمركية، شبكة الفساد داخل هذا الميناء لا تقتصر على المستوردين الكبار فقط، بل تشمل وسطاء وسماسرة ومعشرين يفتقرون إلى الضمير المهني. يتجلى دورهم في تزوير الفواتير، التلاعب بالتصريحات الجمركية، وتجاوز إجراءات التفتيش مقابل عمولات مالية ضخمة.
الممارسات المشبوهة تشمل تخفيض القيم الحقيقية للسلع المستوردة بالتواطؤ مع المزودين، تصنيفات مضللة، وتجاهل مراجعة شحنات كاملة بفضل تدخلات شخصيات نافذة بمجرد اتصال هاتفي . هذه التجاوزات تتسبب بخسائر تُقدر بملياري درهم سنويًا، ما يُضعف قدرة الدولة على تمويل مشاريعها التنموية.
انعكاسات هذه التلاعبات خطيرة، حيث تؤدي إلى احتكار السوق من قبل شركات معينة، ارتفاع الأسعار على المستهلك، ضعف المنافسة، ودخول سلع غير مطابقة للمواصفات، ما يهدد سلامة المواطنين.
رغم الجهود المبذولة من طرف الإدارة العامة للجمارك في شخص المدير العام ، لا تزال شبكات الفساد تستغل ضعف الرقابة ونفوذ الوسطاء والمعشرين لتقويض الاقتصاد الوطني . القضاء على هذه الظاهرة يتطلب تعزيز الرقابة، تطبيق قوانين صارمة بحق المتورطين، ونشر تقارير شفافة عن عمليات التدقيق . إن محاربة اقتصاد الريع في الموانئ المغربية مثل ميناء الدار البيضاء ،و ميناء طنجة المتوسط ، و ميناء بني انصار الناظور، ليست مجرد قضية تقنية، بل معرفة وطنية تتطلب إرادة سياسية صارمة ومساءلة حقيقية لكل الأطراف المتورطة و ربط المسؤولية بالمحاسبة.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح