ميناء بني أنصار بالناظور…محطة للنفايات البحرية أم ضحية قرارات غير مدروسة؟

ريف ديا //// أحمد علي المرس

تداعيات قطر السفينة المهجورة إلى ميناء بني أنصار البيئة والاقتصاد على المحك، في خضم التحولات البيئية العالمية التي أفرزتها الاتفاقيات الدولية للحفاظ على البيئة البحرية، تصدرت أخبار باخرة تجارية تحمل علم دولة جزر القمر وتدعى “النسر الأبيض” WHITE EAGLE، المسجلة تحت رقم IMO 8812930، و هي سفينة شحن عامة ( أصدرت ) المشهد البيئي والبحري بالمغرب، بعدما أصيبت بعطب خطير في المياه الإقليمية المغربية قبالة سواحل العرائش، وعلى متن هذه الباخرة يوجد 16 فردًا من طاقمها، جميعهم من الجنسية الفلبينية، ليُثار جدل واسع النطاق حول القرار الذي اتخذته السلطات المختصة بجرّها إلى ميناء بني أنصار بالناظور، رغم وجود موانئ أقرب كميناء طنجة أو العرائش.
استنادًا إلى روح المسؤولية التي يتحلى بها المغرب كدولة موقعة على عدد من الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية ماربول (MARPOL) المعنية بمنع التلوث البحري، تحركت السلطات المغربية بشكل فوري لتجنب غرق السفينة وتفادي كارثة بيئية في المياه الإقليمية، ورغم النوايا الحسنة التي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار، فإن الأسئلة حول جدوى توجيه الباخرة إلى ميناء بني أنصار بدلًا من أقرب الموانئ، ما زالت تتوالى بوتيرة متسارعة.
فعلى الصعيد البيئي، يعتبر توجيه الباخرة إلى ميناء الناظور خطوة تعكس التزام المغرب بالتصدي لأي تهديد بيئي قد ينجم عن تسرب المواد الضارة من السفينة، لكن على الصعيد الاقتصادي واللوجستي، يبدو أن هذا القرار يفتقر إلى دراسة متأنية، حيث ينطوي على تكلفة إضافية وضغط غير مبرر على ميناء بني أنصار، الذي يمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا للمنطقة.
اجتمع ممثلو الإدارات المغربية المختصة يوم 6 يناير بالرباط، في خطوة تهدف إلى إيجاد حل عملي وسريع لتجنب كارثة بيئية محتملة، حضر الاجتماع ممثلون عن البحرية الملكية، والمكتب الوطني لاستغلال الموانئ، وممثلون عن الدرك الملكي البحري، بالإضافة إلى ممثلين عن ميناء طنجة المدينة و ممثلوا مرسى ماروك. وتم الاتفاق بالإجماع على قطر/ وجر السفينة إلى ميناء بني أنصار بالناظور باستخدام الباخرة باب المرسى التابعة للمرسى ماروك بميناء طنجة المدينة يوم الاثنين 13 يناير الجاري 2025 ، في انتظار اتخاذ قرار نهائي بشأن وضعيتها.
إلا أن هذا القرار أثار موجة من الاستغراب، خاصة أن إدارة ميناء بني أنصار لم يتم إشراكها في هذا الاجتماع ولم تُمنح فرصة للتعبير عن موقفها أو قدراتها اللوجستية لاستقبال سفينة في وضعية مهجورة.
يعتبر ميناء بني أنصار بالناظور واحدًا من أهم الموانئ المغربية، ليس فقط لكونه يربط المملكة بالقارة الأوروبية، بل أيضًا لدوره الحيوي في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي والإقليمي و الوطني، ومع ذلك، فإن القرارات التي تُتخذ مؤخرًا من العديد من الجهات بشأن هذا الميناء تثير علامات استفهام كبرى حول مدى إنصاف هذا المرفق الحيوي، لا سيما بعد تحويله إلى وجهة للسفن المعطلة أو المهجورة.
ما يزيد من تعقيد الوضع أن مالك السفينة النسر الأبيض قد أعلن تخليه عنها نهائيًا، وهو ما يعني أن السلطات المغربية ستتحمل العبء المالي الناتج عن صيانتها، وتوفير الإمدادات لطاقمها، ومعالجة وضعيتها القانونية والبيئية.
إن هذا الوضع يثير قلقًا مشروعًا بشأن تحوّل ميناء بني أنصار إلى مكب للنفايات البحرية، في ظل غياب تخطيط استراتيجي يراعي التوزيع العادل للأعباء بين مختلف الموانئ المغربية.
القوانين والاتفاقيات الدولية واضحة في تحميل الدول المالكة للسفن المسؤولية عن أي أضرار أو تكاليف تترتب عن وضعيات مشابهة، لكن في هذه الحالة، يبدو أن المغرب وجد نفسه مضطرًا لتحمل هذه الأعباء لوحده، في غياب تدخل من الدولة المالكة للباخرة.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى التساؤل مطروحًا؟ لماذا تم اختيار ميناء بني أنصار تحديدًا لاستقبال هذه الباخرة؟ وهل يتم النظر إلى هذا الميناء كوجهة أخيرة للسفن المتضررة أو المهجورة؟
في ظل هذه التطورات، بات من الضروري على السلطات المغربية مراجعة سياستها المتعلقة بتدبير الموانئ، مع التركيز على وضع معايير واضحة وشفافة لاختيار الموانئ التي تُستقبل فيها السفن المتضررة، مع مراعاة الاعتبارات البيئية والاقتصادية واللوجستية لكل منطقة،
ميناء بني أنصار بالناظور ليس مجرد مرفق اقتصادي، بل هو جزء لا يتجزأ من هوية المنطقة وسكانها. تحويله إلى مكب للنفايات البحرية يُعد إجحافًا كبيرًا في حقه، ويتطلب تدخلًا سريعًا لضمان عدالة توزيع الأعباء وتحقيق التوازن المطلوب بين مختلف الموانئ المغربية.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح