قبل رمضان.. مافيا “المعسل” في قبضة الأمن والجمارك تترصد المهربين!

ريف ديا//// احمد علي المرس

في خضم زحف التهريب المتنامي، الذي يضرب في صميم الاقتصاد الوطني، ويسهم في تفشي اقتصاد الظل، تكشفت معالم شبكة خطيرة تمتد خيوطها عبر منافذ حدودية استراتيجية، من الموانئ والمطارات إلى المعابر البرية، في مخطط محكم لتهريب مادة “المعسل”، التي أضحت سلعة مربحة بفضل الطلب المتزايد خلال شهر رمضان. تقارير صحفية استقصائية، أبرزها تلك التي نشرها موقع “ريف ديا”، أزاحت الستار عن تحركات غير اعتيادية لدوائر التهريب، مما دفع مصلحة اليقظة وتحليل المخاطر لدى الفرقة الوطنية للجمارك إلى دق ناقوس الخطر، وتعزيز التنسيق مع الأجهزة الأمنية، بما في ذلك الأمن الوطني والدرك الملكي، قصد رصد وتتبع خطوط التهريب ومسارات التوزيع والتخزين.
استنادًا إلى إخباريات ومعلومات دقيقة، تكشف التحريات الأولية عن أنشطة مريبة تتغلغل بين محور الدار البيضاء – القنيطرة – الجديدة، حيث تتخذ الدروة، الواقعة بين برشيد والعاصمة الاقتصادية، مركزًا لوجستيًا لتخزين وتوزيع الشحنات المهربة. التحليلات المعمقة كشفت عن ضلوع شبكات منظمة تستورد المادة المحظورة من عدة دول، أبرزها الإمارات العربية المتحدة، وعبر معبر “الكركرات” الحدودي مع موريتانيا، في عملية تتداخل فيها عناصر التهريب الاحترافي مع تواطؤ محتمل يسهل تمرير هذه الشحنات دون إثارة الشبهات.
ولم تتوقف إجراءات المراقبة عند المنافذ الحدودية، بل امتدت إلى رصد الأنشطة التجارية المريبة، إذ أخضعت مصالح الجمارك واردات مشبوهة عبر الميناء الجوي لمطار محمد الخامس، تضمنت ملابس جاهزة ومستحضرات تجميل، بغية التدقيق في مدى استخدامها كغطاء لإخفاء “المعسل” المهرب. عمليات تفتيش دقيقة شملت مراجعة بيانات شركات متورطة في استيراد هذه المواد، إذ أظهرت التحريات تركيز معاملاتها مع مصدرين محددين، ما عزز الشكوك حول علاقتها بشبكات التهريب الدولي.
وفيما تتسارع وتيرة التحقيقات، كشفت مصادر موثوقة عن استعداد فرق المراقبة الجهوية لتنفيذ حملات مداهمة دقيقة خلال الأيام المقبلة، تستهدف بؤر تخزين وتوزيع “المعسل” في مختلف المدن المغربية، بهدف وأد الشبكة في مهدها، وجمع مزيد من المعلومات حول المتورطين، سواء داخل المملكة أو خارجها. ويأتي هذا التصعيد الأمني متزامنًا مع الموقف الصارم الذي عبر عنه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، حيث شدد في رده على سؤال برلماني على أن القانون المغربي يمنع الاتجار في التبغ الخام والمصنع، بما فيه “المعسل”، دون ترخيص، مضيفًا أن السلطات المحلية تعمل بشكل دوري، بمعية عناصر الأمن والقوات المساعدة، على شن حملات تفتيش للمقاهي والمخازن المشتبه في استخدامها لتسويق “الشيشة”، ما أسفر عن حجز كميات ضخمة من المعدات وإغلاق العديد من المحلات المخالفة.
ومما يزيد من خطورة هذه الظاهرة، أن تقارير استخباراتية أشارت إلى تورط وافدين من دول عربية في إنشاء وحدات تصنيع سرية داخل التراب المغربي، مستغلين الطلب المتزايد والأرباح الطائلة التي يدرها هذا النشاط المحظور. فقد ثبت، وفق مصادر موثوقة، أن هذه الوحدات تتمركز بشكل رئيسي في ضواحي طنجة والدار البيضاء، حيث تنشط في إنتاج “المعسل” محليًا، بل وتمضي إلى أبعد من ذلك عبر تقليد علامات تجارية معروفة، مثل “الفاخر”، مستهدفة سوقًا استهلاكية متنامية، غير آبهة بتبعات هذا النشاط الإجرامي، سواء على الاقتصاد الوطني أو الصحة العامة.
في المحصلة، يبدو أن معركة الدولة ضد تهريب “المعسل” دخلت منعطفًا حاسمًا، حيث باتت المواجهة بين شبكات التهريب والقوى الأمنية على أشدها، في سباق لكبح جماح سوق سوداء تتغذى على التواطؤ والجشع. وبينما تتعزز التدابير الرقابية وتتوالى الضربات الأمنية، يبقى السؤال معلقًا حول مدى قدرة السلطات على تفكيك هذه الشبكات بشكل جذري، وتجفيف منابع التهريب في مهدها، قبل أن تتحول إلى سرطان اقتصادي يصعب استئصاله.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح