الفساد العقاري بالناظور والجهة الشرقية…هل تكفي التعديلات القانونية لمحاصرته؟

ريف ديا //// أحمد علي المرس
يشهد قطاع العقار بالناظور والجهة الشرقية انتشارًا واسعًا لمافيا العقار، التي تحكم قبضتها على المجال عبر أساليب احتيالية ملتوية، مستغلة الثغرات القانونية والتواطؤ الضمني لبعض الجهات. ومع صدور التعديل الجديد للمادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، والذي يروم تضييق الخناق على عمليات الترامي على أملاك الغير، يطرح السؤال الجوهري: هل هذا التعديل كافٍ لوقف هذا النزيف؟ وهل ستتحرك الجهات المعنية بيد من حديد لضبط المتلاعبين، أم أن الأمر لن يتجاوز الشعارات والبلاغات الرسمية؟
لم تعد عمليات التلاعب بالعقارات تقتصر على الاحتيال عبر عقود وهمية أو بطرق الترامي التقليدية، بل أصبحت شبكات منظمة تدير اللعبة وفق منظومة فساد متكاملة، تستفيد من التواطؤ الإداري وغياب المراقبة الصارمة. فالمواطن البسيط الذي يسعى للحصول على سكن له ولأسرته، يجد نفسه ضحية لوحوش عقارية تستغل كل الفرص للاستحواذ على الأراضي والعقارات بطرق غير قانونية، إما عبر الاستيلاء المباشر، أو عبر فرض “إتاوات” غير قانونية، مستعملة نفوذها وسط المؤسسات الإدارية والقضائية.
أحد أبرز أوجه هذا الفساد هو ما يعرف بـ”النوار”، حيث يتم فرض مبالغ مالية ضخمة غير مصرح بها خارج عقود البيع الرسمية، مما يضيع على الدولة مداخيل جبائية ضخمة، ويضع المواطن في موقع ضعف أمام طغيان المضاربين العقاريين.
لم يكن تمدد مافيا العقار في الناظور والجهة الشرقية ليصل إلى هذا الحد دون وجود حماية أو غض الطرف من قبل بعض المسؤولين، الذين تحوم حولهم الشبهات. فهناك ملفات عديدة تم طمسها أو تعطيلها بشكل متعمد، في حين أن بعض القضايا العالقة أمام القضاء قد يُعاد فتحها لتعميق البحث فيها، وربما تجرّ بعض المسؤولين إلى المساءلة القانونية.
إن الحديث عن تورط بعض المسؤولين في هذه الفضائح العقارية لم يعد مجرد تكهنات، بل هناك معطيات ميدانية تؤكد أن بعض الإدارات لعبت دورًا رئيسيًا في تسهيل عمليات النهب والسطو على العقارات عبر وثائق مزورة أو تغاضي متعمد عن خروقات قانونية صارخة. فهل ستكون هناك محاسبة فعلية، أم أن هذه الملفات ستواجه مصير الإقبار كما حدث في السابق؟
لقد حملت المادة الرابعة المعدلة من مدونة الحقوق العينية بعض الأمل في تضييق الخناق على هذه الممارسات، حيث ألزمت بضرورة تحرير العقود العقارية بمحرر رسمي ثابت التاريخ من طرف موثق أو محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، تحت طائلة البطلان. هذه الخطوة تهدف إلى الحد من التحايل الذي تمارسه مافيا العقار باستخدام العقود العرفية أو الوكالات غير المؤطرة قانونيًا.
لكن هل يكفي هذا الإجراء لردع الفساد المستشري في قطاع العقار؟ للأسف، الجواب هو لا. فرغم أن هذا التعديل يضيق الخناق على بعض الأساليب الاحتيالية، إلا أنه يبقى عاجزًا عن معالجة المشاكل البنيوية للقطاع، خاصة فيما يتعلق بالعقار غير المحفظ، الذي لا يزال مرتعًا للفوضى والاحتيال، إضافة إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية لضبط المخالفين ومحاسبة المتورطين، مهما كانت مواقعهم ونفوذهم.
أحد أكبر العوائق أمام تطهير المجال العقاري يتمثل في التناقض القضائي والارتجال في التعامل مع النزاعات العقارية، حيث نجد أن بعض المحاكم تستند إلى الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أن “العقد شريعة المتعاقدين”، مما يفتح المجال لمناورات قانونية تتيح لمافيا العقار شرعنة تجاوزاتها.
وفي المقابل، هناك أحكام قضائية أخرى تعتمد على البطلان المطلق للعقود غير الموثقة رسميًا، ما يخلق حالة من الفوضى القانونية والتأويلات المتضاربة، يستغلها السماسرة والمضاربون العقاريون لمصلحتهم، مستفيدين من بطء الإجراءات والتماطل في تنفيذ الأحكام، ليبقى المواطن المتضرر هو الحلقة الأضعف دائمًا.
رغم الخطابات الرسمية حول محاربة الفساد، لا تزال مافيا العقار تتحرك بحرية شبه مطلقة، مدعومة بعلاقاتها مع بعض النافذين. وهنا يطرح التساؤل: لماذا لا تتحرك الدولة بصرامة لمحاسبة هؤلاء؟ ولماذا لا يتم فتح تحقيقات شاملة للكشف عن شبكات التلاعب بالأراضي والوعاءات العقارية؟
إن الحل لا يكمن فقط في تعديل القوانين، بل في التطبيق الصارم لها، مع ضرورة تفعيل آليات المراقبة والمسؤولية، وتطهير الإدارات المعنية من العناصر الفاسدة التي توفر الحماية لهؤلاء المضاربين.
مافيا العقار بالناظور والجهة الشرقية ليست مجرد ظاهرة معزولة، بل هي جزء من منظومة فساد أوسع تحتاج إلى قرارات جريئة لمواجهتها. فلا فائدة من تعديل القوانين ما دامت هناك جهات تتلاعب بها لصالحها. والمطلوب اليوم هو إرادة سياسية حقيقية، ومجتمع مدني يقظ، وقضاء مستقل قادر على قول كلمته دون خوف أو تردد. فهل يتحقق ذلك؟ أم أن دار لقمان ستبقى على حالها؟