المغرب في مواجهة الإرهاب: ضربات استباقية تسقط أوهام التطرف قبل انفجارها!

ريف ديا //// احمد علي المرس

قال الراحل عبد الحق الخيام في إحدى لقاءاته التلفزيونية: “يجب على كل المغاربة محاربة التطرف”، وهذه الكلمات ليست مجرد تصريح عابر، بل تمثل جوهر المعركة الأمنية التي خاضتها المملكة المغربية ضد الإرهاب والتطرف العنيف. رغم أنني لست متخصصًا في تحليل الأمن القومي، ولا أدعي امتلاك خبرة استراتيجية في شؤون الإرهاب، إلا أن ذاكرتي الصحفية تحتفظ بمشاهد بارزة عن هذه المعركة الطويلة، والتي بدأت منذ أولى العمليات الإرهابية في المغرب، وتحديدًا تفجير فندق “أسني” بمراكش في تسعينيات القرن الماضي، لتتوالى بعدها الضربات الموجعة التي استهدفت أمن المملكة، ولعل أبرزها أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، ثم تفجير مقهى “أركانة” بمراكش عام 2011، حيث سالت دماء الأبرياء نتيجة فكر متطرف لا يعرف معنى الوطن أو الإنسانية.
في هذه المواجهة المستمرة، كان هناك اسم بارز نقش بصمته في تاريخ الأمن المغربي، إنه عبد الحق الخيام، الرجل الذي تولى إدارة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، قبل أن يُعهد إليه بتأسيس وقيادة المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج/ BCIJ) سنة 2015، والذي يعتبر الذراع الاستخباراتي الضارب للمملكة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة…هذا المكتب، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، تأسس ليكون حصنًا منيعا ضد التهديدات الإرهابية، ويقع مقره في مدينة سلا، بالقرب من مطار الرباط سلا، حيث يخضع لإجراءات أمنية مشددة، تعكس خطورة المهام التي يضطلع بها. منذ إحداثه، استطاع المكتب تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية، ومنع عمليات تخريبية كان يمكن أن تحوّل المغرب إلى ساحة حرب مفتوحة، بفضل يقظة الأجهزة الأمنية والتنسيق المحكم بين مختلف المؤسسات الاستخباراتية.
إحدى العمليات النوعية التي كشفت عن حجم التهديد الإرهابي، كانت تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم “داعش” في منطقة الساحل الإفريقي، والتي كانت تخطط لتنفيذ هجمات دموية داخل التراب المغربي. أسفرت التحقيقات والتحريات الميدانية عن حجز ترسانة من الأسلحة النارية شملت سلاحي كلاشينكوف مع خزانين للذخيرة، وبندقيتين ناريتين، وعشر مسدسات فردية من مختلف الأنواع، وكمية ضخمة من الطلقات النارية، وذلك في منطقة بودنيب على الحدود الشرقية للمملكة، مما يثبت مرة أخرى أن الإرهاب لا يزال يشكل تهديدًا دائمًا يتطلب يقظة مستمرة.
لم تتوقف ضربات “البسيج” عند هذا الحد، بل تمكن المكتب، بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، من إحباط مخطط إرهابي بالغ الخطورة، كان يستهدف المغرب بتوجيه مباشر من قيادي في تنظيم “داعش” متمركز بمنطقة الساحل الإفريقي. هذه العملية الاستباقية، التي جرت فصولها خلال هذا الاسبوع ، أبرزت مجددًا قدرة المغرب على تفكيك الشبكات الإرهابية قبل تنفيذ مخططاتها، وذلك بفضل استراتيجية أمنية محكمة تعتمد على الرصد الدقيق والضربات الاستباقية.
العمليات الأمنية لم تقتصر على منطقة واحدة، بل شملت عدة مدن مغربية، حيث شهدت مدينة العيون تدخلات نوعية لتوقيف أحد أعضاء الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها، وهو المشهد ذاته الذي تكرر في أولاد تايمة، حيث جرت مداهمات دقيقة أسفرت عن إيقاف عدد من المشتبه فيهم. ولم تكن طنجة بعيدة عن هذه المواجهة، إذ نفذت فيها عمليات توقيف استهدفت عناصر متطرفة كانت تخطط لتنفيذ هجمات دموية، فيما عاشت الدار البيضاء كذلك لحظات أمنية حاسمة، مع إلقاء القبض على عناصر أخرى متورطة في المخطط الإرهابي ذاته.
كل هذه العمليات تؤكد حقيقة واحدة: الإرهاب لا يزال يشكل خطرًا حقيقيًا على أمن المغرب، لكن المملكة، بقيادة أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، أثبتت أنها ليست فقط في موقف الدفاع، بل في موقع المبادرة والضربات الاستباقية التي أفشلت مئات المخططات قبل أن تتحول إلى كوارث. وهذا ما يجعل المغرب نموذجًا ناجحًا في مكافحة الإرهاب، بفضل استراتيجية متكاملة تجمع بين العمل الاستخباراتي الدقيق، والتنسيق الدولي الفعال، والمقاربة الأمنية الاستباقية.
إن محاربة الإرهاب ليست فقط مسؤولية الأجهزة الأمنية، بل هي واجب وطني يقتضي وعيًا مجتمعيًا وإعلاميًا بأهمية التصدي للفكر المتطرف، وتعزيز قيم الاعتدال والوسطية. وكما قال عبد الحق الخيام، رحمه الله، فإن محاربة التطرف ليست مهمة الدولة وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة بين الجميع، لأن الأمن والاستقرار هما حجر الأساس لأي نهضة تنموية.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح