الإدارة الجمركية المغربية…دعامة استراتيجية لنمو الإيرادات وتحفيز الاقتصاد الوطني

ريف ديا /// أحمد علي المرس
في سياق التحولات الاقتصادية والمالية التي يشهدها المغرب، يبرز الدور المحوري لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة كفاعل رئيسي في تعزيز الموارد المالية للدولة، وتأمين مداخيل ضريبية مستقرة، والمساهمة في تحفيز النمو الاقتصادي. ومنذ تعيين السيد عبد اللطيف العمراني على رأس هذه المؤسسة الاستراتيجية، برزت ديناميكية جديدة في العمل الجمركي، ترتكز على التحديث والابتكار والشفافية، وفق رؤية تمتد حتى عام 2028، وتهدف إلى إرساء منظومة جمركية أكثر كفاءة واستدامة.
بحسب المعطيات الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة، فقد سجلت المداخيل الجمركية الصافية ارتفاعًا بنسبة 1,3% عند متم فبراير 2025، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، حيث بلغت 14,735 مليار درهم. هذا التحسن الطفيف في الإيرادات يعكس نجاح السياسات الجمركية الجديدة التي تم تفعيلها لتعزيز الامتثال الضريبي، وتحسين عمليات التحصيل، وتكثيف المراقبة الجمركية الفعالة.
وعلى الرغم من تراجع المداخيل الجمركية الصافية من بعض الموارد مثل الضريبة على الاستهلاك الداخلي للمنتجات الطاقية بنسبة 2,4%، إلا أن الضريبة على القيمة المضافة للواردات سجلت قفزة بنسبة 4,8%، مما يعكس ديناميكية متجددة في الاستيراد وتحسنًا في الالتزام الضريبي.
منذ توليه قيادة الإدارة العامة للجمارك، أطلق عبد اللطيف العمراني سلسلة من الإصلاحات العميقة التي تتماشى مع رؤية 2028، والتي ترتكز على محاور رئيسية تشمل: الرقمنة وتعزيز الحوكمة الإلكترونية حيث تم تسريع عملية التحول الرقمي، مما ساهم في تقليص زمن معالجة التصاريح الجمركية، وتقليل التدخل البشري، وتعزيز الشفافية والحد من الفساد الإداري، وتحديث البنية التحتية الجمركية عبر تطوير المعابر الحدودية والموانئ عبر تجهيزها بأحدث التقنيات للمراقبة والتفتيش، مما ساهم في تحسين الأداء الجمركي والحد من التهريب، وتسهيل التجارة وتحفيز الاستثمار من خلال تبسيط الإجراءات الجمركية لدعم المقاولات الوطنية، خاصة الصغرى والمتوسطة، وتحفيز الصادرات عبر منح امتيازات ضريبية وشهادات اعتماد خاصة بالشركات الملتزمة بالمعايير الجمركية، وتعزيز التنسيق مع الشركاء الدوليين عبر تكثيف التعاون مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية لتعزيز التكامل الاقتصادي ورفع كفاءة المبادلات التجارية.
وفي هذا السياق، تبرز ضرورة إعادة هيكلة الموارد البشرية على مستوى المديرية المركزية، سيما في مناصب المسؤولية، و كذا إعادة نظراً لبعض الجهويات ذات الطابع المحتقن بين المرتفقين والمسؤولين الجهويين، وهو ما يتطلب اعتماد معايير أكثر صرامة في اختيار الكفاءات وتعزيز مبدأ الاستحقاق لضمان مناخ إداري أكثر نجاعة وانسجامًا مع الأهداف الاستراتيجية للجمارك المغربية.
رغم الإنجازات المحققة، تواجه إدارة الجمارك المغربية تحديات كبرى مرتبطة بتقلبات السوق الدولية، وتقليص الفجوة بين الإيرادات والإنفاق العمومي، فضلاً عن مكافحة التهرب الجمركي والضريبي. ومن هنا، تبرز ضرورة تكثيف جهود الرقابة الذكية، وتحفيز الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية، ودعم تنافسية الأسواق الوطنية، بما يتماشى مع رؤية “المغرب 2030” للتنمية الاقتصادية.
إن الأرقام الأخيرة تعكس نجاحًا ملموسًا للاستراتيجية الجديدة، لكن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب مواصلة الإصلاحات وتعزيز مرونة المنظومة الجمركية، بما يضمن تحقيق توازن مالي مستدام، ودعم الاقتصاد الوطني في مواجهة التحديات العالمية المتسارعة.