هل يحق للمتضررين من عبث دعم المقاولات بالجهة الشرقية اللجوء إلى القضاء الإداري؟

ريف ديا /// احمد علي المرس
ولا يسعنا في هذا السياق إلا أن نتساءل: كيف يُعقل أن يتحول برنامج ملكي سامٍ، أعلنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ليكون رافعة حقيقية للنهوض بالمقاولات الصغرى جدًا بجهة الشرق، إلى مجرد سراب إداري؟ ألم يكن برنامج “إشراق” بالجهة الشرقية، الذي أُطلق في إطار دعم الشباب وتمكينهم اقتصاديًا، حجر الزاوية في تصور الدولة لمفهوم الجهوية المنتجة والعادلة؟ فلماذا إذن لا نرى من هذا “الإشراق” سوى الإغراق؟ بل الإقصاء، والتهميش، والتسويف، وحتى الإفلاس؟ أليس من المخجل أن تفي المقاولات بالتزاماتها، وتنجز مشاريعها بنسبة تفوق 70%، ثم تُقابل بالتجاهل والخذلان، في حين أن البعض الآخر، من ذوي “القرابات الإدارية” و”الروابط الحزبية”، يتلقون الدعم كاملاً، رغم تواضع أو حتى غياب مشاريعهم على أرض الواقع؟ أليس هذا قمة العبث الإداري، وانحرافًا عن روح العدالة والإنصاف؟ وأين نحن من توجيهات جلالة الملك، الذي دعا غير ما مرة إلى تمكين الشباب وإعطاء المقاولة الصغيرة حقها الكامل في الدعم والمواكبة؟ هل كُتب على المقاولين الشرفاء أن يُعاقبوا على التزامهم؟ وأن يُغتالوا إداريًا فقط لأنهم لا يملكون “باك صاحبي” أو وساطة نافذة؟ وأي ثقة نُطالب المواطن بها في المؤسسات، إذا كانت الوعود الملكية نفسها تُفرغ من محتواها في دهاليز الجهة وسلالم الانتقاء غير النزيه؟
مر ما يقارب ثلاث سنوات منذ أن وضعنا طلبات الدعم وأنجزنا مشاريعنا في سنة 2022، ولا زلنا حتى اليوم محرومين من الاستفادة، بلا جواب، بلا أفق، وكأننا نحفر في الرمل. منا من قضى نحبه منتظرًا بصيص أمل لم يأتِ، ومنا من تخلى عن حلمه بعدما أضحى كابوسًا وسرابًا، ومنا من أغرقه “إشراق” في دوامة المشاكل، والديون، والخذلان الإداري.
ثلاث سنوات كافية لتحطم الأحلام وتدفن الطموحات في مكاتب الصمت والتجاهل… وإننا نحن أصحاب المقاولات المعنية، نُؤكد بكل وضوح أن بحوزتنا ما يكفي من الحجج والقرائن والأدلة الموثقة، التي تُثبت صدق ادعاءاتنا وتُدين كل من تورط في تسويف هذه الملفات، أو تسخيرها لأغراض انتخابية وحزبية ضيقة. لقد تم تسييس هذه المبادرة الملكية النبيلة بشكل فاضح داخل مجلس جهة الشرق، وتم توظيفها كورقة مزايدة ومحاباة على حساب أحلام المقاولين الشرفاء ومستقبلهم… فكيف لمنصب سياسي أن يتحول إلى وسيلة لاقتسام فرص الدعم؟ وأين هي مبادئ الشفافية والمساواة التي بُني عليها الخطاب الملكي؟
هل يملك المواطن البسيط، صاحب المقاولة الصغرى جدًا، الذي طرق أبواب الجهة الشرقية بحثًا عن دعم موعود ومُعلن عنه في إطار ما سُمّي ببرامج “التمكين الاقتصادي” و”العدالة المجالية”، أن يلجأ إلى القضاء الإداري حين يُفاجأ بأن ملفه قد تم تسويفه، أو تهميشه عمدًا، أو تركه يترنح في رفوف الإدارة لأشهر دون جواب؟ وهل تبقى المحكمة الإدارية، في مثل هذه الحالات، مجرد ملاذ نظري أم أنها قادرة فعلًا على انتزاع الحق وإعادة الاعتبار؟
متى يتحول الإعلان الجهوي عن برامج الدعم إلى التزام قانوني ملزم، لا مجرد دعاية سياسية موسمية؟ وهل يُمكن اعتبار التماطل في صرف الدعم، أو التلاعب في ترتيب الملفات، أو تسريب نتائج الانتقاء المسبق لفائدة مقاولات محسوبة على أشخاص بعينهم، بمثابة “تصرف إداري غير مشروع” يُرتب المسؤولية الإدارية والتعويض عن الضرر؟
إن آلاف الشباب في الجهة الشرقية، الذين تقدموا بملفات للاستفادة من دعم المقاولات الصغرى جدًا، يواجهون اليوم مرارة الانتظار والخذلان.
لا تبرير واضح، لا آجال محترمة، ولا معايير شفافة. فقط صمت رسمي، وتسويف إداري، ووعود مؤجلة إلى أجل غير مسمى؟ فهل يُعقل أن تبقى ملفات الدعم معلقة لأكثر من ثلات سنوات بدعوى “الدراسة”؟ وهل مقبول أن تتوارى الجهات المسؤولة لمجلس جهة الشرق عن الجواب أو التفسير وكأن الأمر لا يعنيها؟
وإذا ثبت أن مواطنًا ما لحقه ضرر فعلي – مادي أو معنوي – بسبب التأخير غير المبرر، أو بسبب إقصاء متعمد من الدعم، فهل يحق له قانونًا رفع دعوى تعويض ضد مجلس الجهة الشرقية ؟ أليس من المنطقي أن يُحمّل هذا المجلس مسؤوليته الإدارية، خصوصًا حينما يُثبت أن الضرر ناتج عن تصرف إداري غير مشروع؟ وألا يعتبر الصمت الإداري، في مثل هذه الحالات، شكلاً من أشكال الرفض الضمني القابل للطعن والإلغاء؟
ألا يُعد العبث بالمال العام ، من خلال برمجة اعتمادات تُعلن ولا تُصرف، خرقًا لمبدأ الشفافية المالية ومسا خطيرًا بمصداقية المؤسسات؟ وهل يظل القانون الإداري صامتًا أمام هذه الممارسات التي تُفرغ مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” من محتواه، وتحوّل مفهوم “الجهوية المتقدمة” إلى مجرد شعار أجوف؟
ثم، ما دور لجان التتبع والتقويم؟ ولماذا لا تصدر تقارير دورية للرأي العام حول مصير هذه البرامج؟ وأين هي آليات المراقبة الإدارية والقضائية التي من شأنها أن تضع حدا لهذا التسيب؟ وهل هناك إرادة سياسية حقيقية لتمكين المواطن من أدوات الطعن الإداري حينما تُسلب حقوقه بهذه الطريقة الفجة؟
ما الذي يمنع متضررًا من أن يُقاضي الجهة أمام المحكمة الإدارية، مستندًا على قاعدة “عدم مشروعية القرار الإداري الضمني”، أو “الامتناع عن اتخاذ قرار”، خاصة حين يكون في الأمر ضرر واضح وعلاقة سببية موثقة؟ ألا يفتح القانون الإداري الباب أمام هذا النوع من الطعون من خلال دعاوى الإلغاء أو دعاوى التعويض ضد الهيئات العمومية التي تسيء استعمال سلطتها أو تُخل بالتزاماتها؟
إن دعاوى التعويض تُعد من أكثر الدعاوى التي تواجه عراقيل إجرائية وتأويلات إدارية تعسفية تُفرغ النصوص القانونية من جوهرها وروحها. ورغم وضوح شروطها القانونية – من إثبات الضرر، وقيام العلاقة السببية، ووجود تصرف إداري غير مشروع – إلا أن كثيرًا من الإدارات العمومية، من جماعات ترابية ومستشفيات ومجالس إقليمية ومراكز استثمار وغيرها، تتفنن في التهرب من المسؤولية، وكأنها فوق القانون والمساءلة.
أسئلة كثيرة تُطرح اليوم بإلحاح، وكلها تقود إلى حقيقة واحدة: أن المواطن، حين يُخذل من طرف الإدارة، لا بد له أن يتوجه إلى القضاء، لا طلبًا للانتقام، بل طلبًا للإنصاف. فهل سيتحرك القضاء الإداري لحماية المتضررين من هذا العبث؟ وهل ستستفيق الجهات المسؤولة من غفلتها وتُدرك أن المواطن ليس رقمًا في دفتر بلاغات، بل حامل حق ومواطن كرامة؟
إن المسؤولية لا تسقط بالتقادم، والتعويض عن الضرر الإداري حق محفوظ بنص الدستور والقانون، وسقوط الإدارة في مستنقع التلاعب، إن لم يُقابل بصرامة قضائية، فإنه سيُشرعن الظلم ويفتح الباب على مصراعيه أمام فقدان الثقة في المؤسسات.






