من يختبئ وراء “المهاجر المظلوم”؟ قراءة نقدية في فوضى المركبات النفعية بالخارج.

ريف ديا /// احمد علي المرس
أنا.. وشهادة من قلب ميناء بني انصار الناظور إن ما يتم تداوله مؤخرًا عبر بعض المواقع الإلكترونية بخصوص ميناء بني انصار بالناظور، وما تصفه تلك المنابر بـ”معاناة الجالية والمهاجرين”، يفرض عليّ — بوصفي أحد المهنيين في قطاع النقل الدولي وممارسًا فعليًا لهذا النشاط منذ سنوات طويلة — أن أخرج عن صمتي، لأوضح بعض الحقائق التي يغفلها أو يتغافل عنها البعض، عمدًا أو جهلًا. لقد اشتغلت طويلًا داخل هذا الميناء، وعايشت عن قرب مختلف تطوراته، وعرفت خباياه وتعقيداته الإدارية، ولأقولها بكل وضوح وصدق الجالية المغربية والمهاجرون الحقيقيون لا يعانون، ولا يُسيء إليهم أحد داخل الميناء، ما داموا ملتزمين بالإجراءات القانونية الجاري بها العمل. إن ما يُطلق عليه اسم “معاناة الجالية او المهاجرين ” — كما تروج له بعض الأبواق الإلكترونية — لا علاقة له في الجوهر بالجالية المغربية كما يعرفها الجميع، بل الأمر مرتبط بفئة من الشركات والمقاولات الصغرى جدا ، والتي تمتهن نقل البضائع الغير المرتفقة لحساب الغير ، عبر مركبات نفعية خفيفة مسجلة بالخارج. وهي فئة استفادت سابقًا من نظام المسطرة المبسطة للبضائع غير المرتفقة، وهو امتياز إداري وجمركي لا يُمنح اعتباطًا، بل يستند على دفتر تحملات والتزامات صارمة.
لكن حينما تتحول تلك الامتيازات إلى ثغرات يُستغل بعضها للتحايل أو التهرب أو التلاعب، يصبح من المنطقي والمشروع أن تتحرك السلطات الجمركية والأمنية لتعيد الأمور إلى نصابها.
ولنا أن نتساءل هنا بكل موضوعية، حقيقة المراقبة الجمركية ببني انصار حماية للوطن أم تعسف مزعوم؟ كيف يمكن لمركبة نفعية مرقمة بالخارج، لا يتجاوز وزنها الإجمالي مع الحمولة ثلاثة أطنان ونصف، أن تنقل شحنات يفوق وزنها الإجمالي أربعة أطنان ؟ أليس هذا تجاوزًا صريحًا لمعايير السلامة؟ ألا يُعد ذلك خرقًا للقوانين المنظمة للنقل الطرقي للبضائع؟ أين احترام الحمولة القانونية؟ وأين الالتزام الصريح بالمحتوى المصرح به جمركيًا؟ إن ما يجري لا علاقة له بحقوق الجالية ولا بكرامة المهاجرين، بل هو مسألة تنظيم قطاع اقتصادي حساس تحوم حوله شبهات خطيرة، خصوصًا وأن هذا الميناء شهد — للأسف — في السنوات الأخيرة حالات تهريب دولي للبضائع، وتزويرًا في وثائق رسمية، واستغلالًا غير مشروع لقرارات المسطرة المبسطة، إضافة إلى محاولات تهريب المعسل، والسجائر، والهواتف الذكية، والحواسيب المحمولة، بل وحتى العملة الصعبة… وقد قالت العدالة كلمتها في أكثر من ملف، وأُدينت شبكات بعينها، وتم سحب قرارات الامتياز من عدد من المركبات النفعية التي ثبت تلاعبها بالمحتويات المصرح بها. ومع ذلك، لا تزال بعض الأصوات تواصل العزف على وتر “المظلومية” و”التمييز”، في محاولة لإثارة الرأي العام وتحويل أنظار الجهات الوصية عن المسألة الجوهرية، هل ما يُنقل مطابق لما هو مصرح به؟ أضف إلى ذلك، أن من يدّعون أنهم “مهاجرون مظلومون” هم في واقع الأمر مهنيون يزاولون نشاط نقل السلع لحساب الغير و نقل البضائع الغير المرتفقة، وهذا النشاط، كما يعلم الجميع، تؤطره قوانين ومساطر دقيقة صادرة عن المديرية الوطنية للنقل واللوجستيك، ولا يحق لأي شخص ممارسة هذا النشاط دون الالتزام بمواصفاته التقنية والإدارية. أما ما يُثار حول “التضييق”، فالأمر لا يعدو أن يكون إجراءات مراقبة البعدية، أو ما يُعرف بالفرنسية بـ contrôle a posteriori، حيث تُراجع المصالح الجمركية التصاريح (Déclarations unique de marchandises) بعد مغادرة المركبة للميناء، وتقوم بمقارنة التصريح DUM مع المحتوى، ومع قيمة المكوس الجمركية المدفوعة، وذلك بهدف التأكد من تطابق البيانات، فهل أصبح تطبيق القانون ومراقبة التصاريح Les DUM تهمة؟ وهل تحوّل ضبط الحمولة والتصدي للتهريب إلى “معاناة” يُشهر بها في وجه الدولة عبر بعض المنصات التي تفتقر لأبسط شروط المهنية الصحفية؟! إنني أهيب هنا بالمواقع الإلكترونية الجادة أن تتحلى بالمسؤولية، وألا تفتح منابرها لمن يتقمص صفة المهاجر وهو في الأصل مهني له التزامات تعاقدية، ويزاول نشاطًا خاضعًا للمراقبة. كما أطالب المصالح المختصة بمزيد من الصرامة، لأن ما هو على المحك ليس فقط مصداقية الجمارك، بل صورة الوطن وأمنه الاقتصادي. وأقولها بصدق: الشفافية، والعدالة، والمراقبة الرشيدة، وحماية مصلحة الجالية الحقيقية، كلّها تقتضي غربلة هذا القطاع، وتصحيح أعطابه، لا التواطؤ مع من يحاولون اختراقه تحت يافطة المظلومية.