تاونات…مدرسة قرآنية تاريخية في تبودة: إرث علمي مهدد بالزوال

ريف ديا

تعتبر المدرسة القرآنية في جماعة تبودة بإقليم تاونات من أعرق وأشهر المعالم التعليمية في المغرب. تأسست هذه المدرسة العتيقة منذ مئات السنين، وساهمت في تربية وتعليم الآلاف من الطلاب الذين جاؤوا من مختلف مناطق المملكة طلبًا للعلم الشرعي، حيث خرجت منها العديد من الأئمة والمشايخ الذين حملوا لواء العلم والدعوة في مختلف بقاع العالم الإسلامي.

المدرسة، التي تقع في منطقة جبلية، بنيت باستخدام الطين والحجر، مما يجعلها أحد الأمثلة الرائعة على البنية المعمارية التقليدية في المغرب. كانت تمثل منارة للعلم والمعرفة، إذ يتوافد إليها الطلاب من كل حدب وصوب.

لكن اليوم، أصبحت هذه المدرسة مهددة بالزوال والتدمير نتيجة للإهمال الذي تعاني منه. وبينما كانت المدرسة تحظى باهتمام من أهل المنطقة، يظل المسؤولون عن التراث والمرافق الثقافية في صمت مستمر. هذه المعلمة التاريخية التي كان لها دور محوري في نشر العلم، تعيش الآن حالة يرثى لها، حيث أصبحت في وضع متدهور، وأصبحت جدرانها تهدد بالانهيار في أي لحظة.

الغالية، السيدة التي كانت ترمم التاريخ

قبل سنوات، كان هناك شخص ذو قلب كبير ونية طيبة يعمل بجد للحفاظ على هذا التراث الغني. كانت السيدة المسنّة “الغالية” من قبيلة تبودة تقوم بترميم المدرسة بيدها، حيث كانت تجمع بعض النسوة من القبيلة ليتعاونّ في صيانة هذا الصرح العلمي. كان عملهن تطوعيًا ومتواضعًا، لكنه كان يعكس حبهن العميق لهذا المعلم التاريخي ورغبتهن في الحفاظ عليه لأجيال قادمة.

للأسف، منذ وفاة “الغالية” رحمها الله، انقطع هذا الجهد التطوعي، ومعه تدهور حال المدرسة. كانت السيدة الغالية تمثل رمزية للتفاني في خدمة العلم والحفاظ على التراث، ولكن بعد رحيلها، لم يبقَ من يولي هذا المعلم اهتمامًا حقيقيًا. لذلك، أصبحت المدرسة القرآنية اليوم تعاني من التهميش، دون أن تحرك الجهات المعنية، مثل جماعة تبودة أو مندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاونات، ساكنًا.

الإهمال وصمت المسؤولين

الأزمة التي تعيشها مدرسة تبودة القرآنية ليست مجرد مشكلة مادية تتعلق بتدهور المباني، بل هي أيضاً أزمة ثقافية وإيمانية. هذه المدرسة تمثل جزءًا من هوية المغرب وتراثه الديني، وقد لعبت دورًا كبيرًا في نشر العلم الشرعي وتعليم القرآن الكريم لآلاف الطلاب الذين أصبحوا قادة في مجالات الدعوة والإمامة.

على الرغم من أهميتها التاريخية والدينية، فإن المدرسة اليوم تواجه مصيرًا مظلمًا في ظل الإهمال الذي طالها. وبالرغم من المناشدات التي يوجهها أهل المنطقة لحماية هذه المعلمة وصيانتها، إلا أن الجهود الرسمية تبدو غائبة تمامًا. وقد بات من الواضح أن المدرسة بحاجة ماسة إلى ترميم شامل يعيد لها مجدها ويعيد إليها دورها في تعليم الأجيال القادمة.

نداء للحفاظ على التراث

إن حماية هذه المعلمة التاريخية ليست مسؤولية أهل المنطقة وحدهم، بل هي مسؤولية وطنية يجب أن تتبناها جميع الجهات المعنية. المدرسة القرآنية في تبودة تمثل جزءًا من تاريخ المغرب، ويجب على المسؤولين في الجهات المحلية والوطنية أن يتحملوا مسؤولياتهم في صيانتها وحمايتها من التدهور.

لقد كانت هذه المدرسة موطنًا للعلم، وملاذًا للطلاب، ورافدًا ثقافيًا هامًا. ونحن اليوم أمام خيارين: إما أن نسمح لهذا الإرث الثقافي العظيم بالزوال، أو أن نتحرك بشكل عاجل للحفاظ عليه. الخيار واضح، ولا بد من التحرك قبل فوات الأوان.

نأمل أن تجد هذه المناشدات آذانًا صاغية من المسؤولين، وأن يتم إنقاذ هذا الصرح العلمي العتيق قبل أن يصبح جزءًا من التاريخ المفقود.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح