ماستر للبيع…! عندما تتحول الشهادات العليا إلى غنائم في سوق الفساد الجامعي.

ريف ديا /// احمد علي المرس
في مشهد يكشف حجم التصدع الذي أصاب بعض ركائز الدولة الحديثة، تفجرت قضية صادمة بمحكمة الاستئناف بمدينة مراكش، أطاحت بأستاذ جامعي يدرّس بكلية الحقوق بمدينة آسفي، وجرّت معه أسماء وازنة من داخل الجسم القضائي والمحاماة، على خلفية شبهة الاتجار في التسجيل بسلك الماستر وتسليم شواهد علمية مقابل مبالغ مالية. القضية، التي باشرت أبحاثها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية باحترافية دقيقة، أطاحت بشبكة تمتد خيوطها من مدرجات الجامعة إلى ردهات المحاكم، ومن مكاتب التسجيل إلى مكاتب المحامين. وقد جرى يوم الثلاثاء تقديم جميع المتورطين أمام الوكيل العام للملك لدى استئنافية مراكش، في مشهد لم يكن ليتصوره العقل في بلد جعل من إصلاح التعليم وربط المسؤولية بالمحاسبة شعاراً دستورياً لا يُعلى عليه. وبعد استنطاق أولي، قرر الوكيل العام إحالة الملف إلى قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة المكلفة بجرائم الأموال، الذي أمر بإيداع الأستاذ الجامعي السجن المحلي “لوداية”، ومتابعة رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بآسفي في حالة سراح، مع سحب جواز سفره وإغلاق الحدود في وجهه. القرارات القضائية شملت كذلك زوجة الأستاذ الجامعي، وهي محامية مسجلة في الهيئة، إلى جانب ابن رئيس كتابة الضبط، الذي يزاول التمرين في سلك المحاماة، بالإضافة إلى محامين آخرين يُشتبه في تورطهم في هذا الملف الذي تتجاوز تداعياته حدود الأشخاص إلى عمق المؤسسات. المثير في هذه القضية، أن التحقيق سيمتد ليشمل جميع الطلبة والطالبات الذين تم تسجيلهم في سلك الماستر خارج الضوابط القانونية، والذين حصلوا على شواهد عليا عن طريق التلاعب، وهم اليوم يحتلون وظائف عامة وخاصة في قطاعات متعددة، بما فيها مراكز القرار. وهو ما يطرح سؤالاً وجوديًا حول مصداقية الشواهد الجامعية، وعدالة التوظيف، واستقامة مخرجات المنظومة التعليمية. إن ما حدث، على فداحته، لا يمكن عزله عن السياق العام الذي تعرفه بعض مؤسسات التعليم العالي، حيث أضحى الماستر – في بعض التخصصات – بابًا خلفيًا للزبونية، لاجتياز مباريات التوظيف أو نيل صفة معينة، بعيدًا عن مبدأ الاستحقاق والتكافؤ. حين تتحول الشهادة إلى سلعة، والمدرج إلى فضاء للمساومة، فإننا نكون قد دقّينا آخر مسمار في نعش التعليم النزيه والعدل الاجتماعي. إذا كانت النيابة العامة وقاضي التحقيق قد باشرا مسطرة قانونية تُحيلنا إلى أمل في أن العدالة لا تنام، فإن المجتمع كذلك مطالب اليوم بأن ينتفض أخلاقيًا ضد هذا الانحدار، وأن يُعيد للعلم مكانته، وللجامعة قداستها، وللقانون هيبته. فمصير الأجيال، ونزاهة الوظيفة العمومية، وتكافؤ الفرص، باتت كلها على المحك. ما جرى ليس مجرد ملف فساد عابر، بل مرآة عاكسة لأزمة مركبة: أزمة ضمير، أزمة تعليم، وأزمة قيم. وقد آن الأوان لنقول، وبصوت عالٍ: “كفى من العبث بمستقبل الوطن”. فالأوطان لا تُبنى بالديبلومات المدفوعة، بل بالرجال والنساء الذين يصنعهم العرق والمجهود والمعرفة الحقة.