نداء من مراكش إلى العالم: الأقصى ليس للبيع

ريف ديا: مراكش //// احمد علي المرس

في مساءٍ مشبع بروح التضامن والوفاء، وتحت ظلال مئذنة الكتبية الشامخة التي تلامس ذاكرة التاريخ، شهدت مدينة مراكش، يوم الخميس 16 ماي الجاري، تظاهرة شعبية نظّمتها المبادرة المغربية للدعم والنصرة، نصرةً للقضية الفلسطينية وتعبيرًا عن تضامن شعبي أصيل لا يزال نابضًا في وجدان المغاربة. وقد احتشد العشرات من المواطنين بساحة مسجد الكتبية، تلك الساحة التي طالما كانت فضاءً للسكينة والتأمل، لتحمل هذه المرة نداءً جماعيًا من أجل العدالة والكرامة وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
المشاركون في هذه التظاهرة، التي مرّت في أجواء سلمية ومسؤولة، رفعوا شعارات تعبّر عن مواقف واضحة رافضة لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مؤكدين أن القدس ليست مجرد مدينة وإنما رمز حضاري وإنساني وثقافي، ومكانة روحية في ضمير الأمة. وترددت في ساحة التظاهرة شعارات من قبيل: “باعوا الأقصى بدولار”، و”صفر لترامب”، و”التطبيع خيانة”، و”لا إله إلا الله، والشهيد حبيب الله”، في مشهد حمل دلالات قوية على استمرار الحضور الشعبي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، مهما تغيرت الظروف والمعادلات السياسية.
وقد تميز هذا الحدث بحضور أمني متوازن، خاصة في ظل تزامنه مع ذروة توافد السياح الأجانب، الأوروبيين منهم على وجه الخصوص، إلى المدينة الحمراء، وباعتبار قرب مكان التظاهرة من ساحة جامع الفنا، التي تشكّل قلبًا نابضًا للسياحة المغربية ومركزًا لتقاطع الثقافات. وقد حرصت الجهات الأمنية على تأمين محيط التظاهرة بشكل حضاري، دون تسجيل أي حوادث تُذكر، ما ساهم في مرور الوقفة في جو من الاحترام والمسؤولية.
إن ما جرى مساء اليوم بمدينة مراكش ليس مجرّد حدث عابر، بل هو تعبير صادق عن وجدان شعبي حيّ لا يزال وفيًّا لقضايا العدل والحرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي لطالما شكلت نقطة التقاء لجميع المغاربة، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم. كما أن هذه المبادرة تنمّ عن وعي مجتمعي بأهمية إبقاء جذوة التضامن مشتعلة في وجه موجات النسيان والتطبيع الإعلامي والسياسي، التي قد تغيب الحقائق لكنها لا تطفئ القناعات.
وإذا كان صوت الحكمة يقتضي اليوم أن تُحترم كل الشعوب وحقوقها في تقرير مصيرها بعيدًا عن التحريض والكراهية، فإن التعبير السلمي الحضاري عن التضامن مع شعب يرزح تحت الاحتلال منذ عقود، يبقى من صميم المبادئ التي تُؤمن بها الشعوب الحرة. وقد اختار منظمو التظاهرة أن تكون رسالتهم إنسانية بالدرجة الأولى، ذات طابع رمزي أخلاقي، بعيدًا عن التهويل أو التجييش، مستندين في ذلك إلى قناعة راسخة بأن الكلمة الحرة، حين تصدر من ضمير حيّ، أبلغ من أي سلاح.
لقد أثبتت تظاهرة الكتبية، أن المغاربة لم ينسوا، وأن القدس لا تزال تسكن قلوبهم، وأن القضية الفلسطينية ليست ملفًا سياسيًا يُدار في كواليس المؤتمرات، بل هي قضية أخلاق وحق وإنصاف. وفي زمن تتغير فيه المواقف بتغير المصالح، ظلّ صوت مراكش هذا المساء عاليًا، هادئًا، وحكيمًا، يعيد التذكير بأن قيم العدل لا تبلى، وأن الشعوب، مهما طال زمن الصمت، لا تنكسر.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح