“عبث مهرجانات الناظور: ثقافة الاستنزاف بدل الاستثمار”

ريف ديا /// احمد علي المرس
في زمن يئن فيه المواطن البسيط تحت وطأة البطالة، وتتعثر فيه التنمية الاجتماعية، يطل علينا مشهد مألوف يتكرر كل سنة في إقليم الناظور: منصات مُكلفة، خيام ضخمة، فرق فنية تُستورد من كل حدب وصوب، و”احتفاليات” تُسوَّق تحت مسمى “مهرجانات ثقافية” أو “معارض اقتصادية”، لكنها في واقع الأمر لا تعدو أن تكون سوى واجهات تُصرف من خلالها ملايين الدراهم دون أثر يذكر على مستوى التنمية المحلية. لنتحدث بلغة الأرقام والمعقول: كم من الأموال تُصرف سنويًا على مهرجانات لا يتعدى جمهورها بعض المدعوين والفضوليين؟ كم من المعارض الاقتصادية تُنظم دون دراسة أثر أو تقويم النتائج؟ والنتيجة واحدة: لا مشاريع حقيقية، لا فرص شغل، ولا مردودية اجتماعية ملموسة. إن ما يجري بالناظور يُشكل نموذجًا صارخًا لما يمكن وصفه بـ”العبث المالي المنظم”، حيث تُهدر ميزانيات ضخمة تحت شعار “التنشيط الثقافي” و”التسويق الترابي”، بينما الأحياء الشعبية تعاني من الهشاشة، والشباب تائه بين الفراغ والبطالة، والأمهات يقفن في طوابير الانتظار أمام مراكز الدعم الاجتماعي. في ظل هذا الواقع، يحق لنا أن نتساءل: ماذا لو ألغيت هذه المهرجانات والمعارض مؤقتًا، وتم توجيه ميزانياتها إلى مشاريع مدرة للدخل، أو إلى تمويل تعاونيات نسائية، أو تجهيز فضاءات للشباب، أو دعم الصحة والتعليم في المناطق الهامشية؟ أليس أولى أن يُستثمر المال العام في مشاريع تعود بالنفع المباشر على المواطن، لا في حفلات عابرة تنتهي مع آخر نغمة موسيقية؟ أليس من حق شباب الناظور أن يُمنحوا منصات للإبداع والإنتاج بدل منصات للرقص المؤقت؟ أليس من الأجدى خلق مشاريع استثمارية صغيرة في البوادي، تزرع الأمل وتُكافح الهجرة، عوض تغذية الفُرجة المصطنعة التي لا تطعم من جوع ولا تروي من عطش؟ الخطير في الأمر أن هذه المهرجانات غالبًا ما تفتقد للشفافية المالية. فلا تقارير محاسبية تُنشر، ولا تقييم موضوعي يُنجز، ولا جهة مستقلة تراقب. من المستفيد الحقيقي إذن؟ هل المواطن؟ أم أصحاب الشركات المنظمة والمستفيدون من صفقات الإطعام والمعدات والديكور؟ أين هي الحكامة؟ أين صوت المجتمع المدني الحقيقي؟ وأين دور المجالس المنتخبة التي من المفترض أن تحمي المال العام لا أن تصفق لهدره تحت الطاولات؟ ليس من باب السوداوية أو الحقد على الفرح أن ننتقد هذه الظواهر، بل من باب الغيرة على مصلحة الناظور وسكانها. نحن لسنا ضد الثقافة أو الفن، بل ضد الاستغلال السياسي والمالي لهما. نريد أن نرى مهرجانات تُبنى على أسس تنموية، وبرامج تُصمم من داخل هموم الناس، لا مهرجانات تُفرض من فوق وتُروج في الإعلام الرسمي كمظهر زائف للازدهار. إن الناظور لا يحتاج إلى زغاريد وهمية، بل إلى رؤية واقعية تُرشِّد المال العام وتجعله في خدمة الكرامة والعدالة الاجتماعية.