الأحزاب تعيد تدوير الوجوه الملطخة قضائياً

ريف ديا : احمد علي المرس
أرست المحكمة الدستورية، ومعها القضاء الإداري، مبدأً قضائياً صارماً مفاده أن العفو الملكي أو رد الاعتبار القضائي لا يعيدان تلقائياً الأهلية الانتخابية للمحكومين في قضايا جنائية، مؤكدة أن فقدان هذه الأهلية يظل سارياً لسنوات محددة قانوناً، ولا يمكن تجاوزه إلا بانقضاء المدة المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للانتخابات، وبذلك يكون القضاء قد سد الباب أمام محاولات بعض الوجوه السياسية الالتفاف على النصوص عبر الاستفادة من أحكام قضائية أو إجراءات عفو ثم العودة إلى الساحة الانتخابية بوجه جديد ولكن بسجل قديم ملوث، غير أن جوهر الإشكال يتجاوز حدود القضاء إلى سؤال أعمق: من المسؤول عن السماح لهؤلاء بالتسلل مجدداً إلى المشهد السياسي؟ الأحزاب السياسية التي تمنح التزكيات لأصحاب السوابق هي أول المتورطين في هذه المهزلة، فبدل أن تكون مؤسسات للتأطير وإنتاج النخب تحولت إلى مصانع لإعادة تدوير الوجوه المتسخة قضائياً وأخلاقياً، تحت ذريعة قدرتهم على جلب الأصوات والمال، وهي في كثير من الأحيان تغض الطرف عن استعمال المال الفاسد وشراء الذمم في الاستحقاقات الانتخابية مقابل ضمان مقاعد في المجالس والبرلمان، وهذا في حد ذاته خيانة لجوهر الديمقراطية وإهانة لكرامة المواطنين الذين يُفترض أن يُمثلوا بنخب نزيهة، لكن المسؤولية لا تقف عند الأحزاب وحدها، فالمشرع بدوره يتحمل نصيباً من هذا الخلل إذ لم يذهب بالقوانين إلى أقصى درجات الصرامة، فالمقتضيات القانونية الحالية رغم وضوحها النسبي ما زالت تترك ثغرات يتم استغلالها، والحال أن حماية المؤسسات التمثيلية تقتضي تعديلات تشريعية حاسمة تُعلن بشكل صريح ونهائي أن كل من تلطخت يده بجناية لا يحق له البتة الترشح أو التمثيل السياسي ولو بعد العفو أو رد الاعتبار، ذلك أن الأهلية الانتخابية ليست مجرد وضع قانوني بل هي صفة سياسية وأخلاقية لا تتجزأ، إن لحظة الحسم تفرض اليوم مسارين متوازيين أولهما تجديد النخب السياسية وفرض رقابة حزبية داخلية صارمة تمنع من الأصل تزكية أصحاب السوابق وثانيهما تعديل النصوص القانونية لسد الثغرات بشكل نهائي ووضع معايير شفافة وصارمة للأهلية الانتخابية حماية لصورة المؤسسات وضماناً لكرامة الوطن، فتمثيل الأمة ليس امتيازاً يُشترى بالمال الفاسد ولا غنيمة حزبية توزع على أعيان ملوثين بالماضي بل هو أمانة ومسؤولية عظمى وأي تساهل مع هذا الانحراف هو طعن مباشر في الثقة العامة وإصرار على تكريس العبث السياسي الذي دفع ثمنه المغرب عقوداً طويلة، إننا أمام لحظة فاصلة فإما أن نقطع الطريق نهائياً أمام المتلاعبين بمستقبل الديمقراطية وإما أن نواصل الدوران في حلقة مفرغة حيث تظل المؤسسات رهينة وجوه فقدت الأهلية أخلاقياً قبل أن تفقدها قانونياً






