رأي: بلاغ مرتبك وحكومة عاجزة.. أخنوش يغرق السفينة قبل أن تصل الميناء

بقلم: أحمد علي المرس
في سابقة غير مألوفة في تاريخ البلاغات الحكومية، خرجت الأغلبية الحكومية برئاسة عبد العزيز أخنوش مساء اليوم 30 شتنبر ، ببلاغ يثير الشكوك أكثر مما يبعث على الاطمئنان. فقد منحت هذه الأغلبية لهيئة التنسيق صلاحيات لا دستورية تكاد تجعلها الناطق الرسمي باسم الحكومة، في تجاوز صريح لمؤسسات الدولة المخولة قانونًا بالتواصل، من رئاسة الحكومة إلى الناطق الرسمي والقطاعات الوزارية.
هذا البلاغ العجيب، الذي جاء ممهورًا بعبارات فضفاضة عن “الإنصات للشباب” و”الاستعداد للتجاوب الإيجابي”، ليس سوى محاولة بائسة للالتفاف على الغضب الشعبي، خصوصًا مع تصاعد موجة احتجاجات جيل زد في الشوارع والساحات الافتراضية.
الأغرب أن شرارة هذه الفتنة الاجتماعية انطلقت من المنطقة نفسها التي ينتمي إليها رئيس الحكومة، وهو ما يحمل دلالات سياسية عميقة، فكيف لحكومة يقودها رجل أعمال ينحدر من تلك الجهة أن تعجز عن فهم نبضها أو احتواء صرخاتها؟ لقد أكد البلاغ أن الحكومة تعي “التراكمات والإشكالات” التي يعرفها قطاع الصحة منذ عقود، لكنها لم تقدّم سوى وعود معلّبة حول “المجموعات الصحية الترابية” و”تأهيل المستشفيات” وزيادة عدد المهنيين، وهي إجراءات يعرف الجميع أنها بلا أثر فوري، بل مجرد مسكّنات سياسية لا تغني ولا تسمن من جوع. لكن الطامة الكبرى أن البلاغ بدا وكأنه صادر عن ثلاثة أحزاب فقط، بينما الوزراء أنفسهم قد لا يتقاطعون مع هذه المواقف، مما يجعل الوثيقة مجرد بروباغندا حزبية تمارس التضليل على الرأي العام، وتكشف هشاشة بنية الدولة في عهد أخنوش.
ولم يتأخر الشارع في الرد. ففي الثلاثين من شتنبر، خرجت احتجاجات شبابية صاخبة في الدار البيضاء وفاس وأكادير، مطالبة باستقالة أخنوش شخصيًا وحلّ حكومته. الشباب رفعوا شعارات قوية تدعو إلى تدخل ملكي مباشر لإعادة الوزارات الاستراتيجية مثل الصحة والتعليم إلى سيادة الدولة، بعدما فقدوا الثقة في السياسيين الذين وصلوا إلى المناصب في غفلة من الشعب ونهبوا المال العام بلا حسيب ولا رقيب. المثير للغضب أن مصادر من داخل الأغلبية كشفت أنّ أخنوش وصف محتجي جيل Z بـ”البراهش والمدفوعين”، وهو تصريح يفضح النظرة المتعالية والمهينة التي يتعامل بها رئيس الحكومة مع شباب الوطن، بدل أن ينصت لمطالبهم المشروعة. إن ما يعيشه المغرب اليوم ليس أزمة ظرفية، بل تراكم سنوات من الفساد والتسيب واللامحاسبة. والحل الجذري لا يكمن في بيانات هزيلة أو وعود واهية، بل في تقديم كل المفسدين وناهبي المال العام، من هذه الحكومة أو الحكومات السابقة، إلى القضاء العادل. وزراء، ولاة، عمال، أطر، ومسؤولون تورطوا أو تواطؤوا في إيصال البلاد إلى هذا المنحدر.
إن امتصاص غضب جيل زد، الذي خرج بعفوية وصدق، لا يمكن أن يتحقق إلا بحلّ الحكومة الحالية وتشكيل حكومة تكنوقراط برؤية ملكية، تعيد للدولة هيبتها وتضع حدًا لسنوات الفشل والعبث.
أما مشروع الإصلاح الذي يتغنى به أخنوش، فلم يعد أكثر من شعارات جوفاء تتساقط أمام أول صرخة من الشارع، لتؤكد أن الحكومة لم تفشل فقط في التدبير، بل نجحت في شيء واحد. تكريس سياسة منظمة للفشل، والتهرب من المسؤولية، وتبديد ما تبقى من ثقة بين الدولة وشبابها.






