مكتب الصرف والجمارك يضيقان الخناق على كبار المتلاعبين

ريف ديا – أحمد علي المرس

شرع مراقبو مكتب الصرف، في إطار عملية مشتركة دقيقة مع مصالح التدقيق والتفتيش والمراقبة البعدية للجمارك، في تنفيذ حملة واسعة من المراجعات المالية التي تستهدف مستوردين يشتبه في تورطهم بعمليات تهريب أموال إلى الخارج عبر معاملات تجارية صورية وملفات مالية مضلِّلة، وقد استندت هذه العمليات، وفقًا لمعطيات دقيقة استقتها جريدة ريف ديا من مصادر موثوقة، إلى مؤشرات اشتباه مبنية على تقارير وطنية ودولية تفيد باستعمال بعض الشركات لأساليب تدليس متقنة بغرض تمرير تحويلات مالية مشبوهة تحت غطاء أنشطة تجارية مزعومة، مما يدخل في خانة ما يسمى بلغة الاقتصاد المالي بـ “blanchiment d’argent” أي تبييض الأموال.

وتشير المعطيات ذاتها إلى أن مصالح مكتب الصرف نسّقت بشكل دقيق مع الإدارة العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة، في عمليات مراجعة شملت سبعًا وثلاثين شركة موزعة بين الدار البيضاء، الرباط، وطنجة، تبيّن أن أغلبها متورط في مناورات حسابية تهدف إلى تضخيم أو تخفيض القيم الجمركية للبضائع، أو ما يعرف في المجال التقني بـ “valeur en douane”، قصد تقليص الوعاء الضريبي أو تضليل أجهزة المراقبة المالية.

وتفيد نفس المصادر أن التحقيقات كشفت عن استعمال منهجي لما يُعرف بـ “factures falsifiées”، أي الفواتير المزورة أو المزدوجة، وذلك بالتواطؤ مع شركاء أجانب ومكاتب محاسبة خارجية متخصصة في تبييض المسارات المالية. وقد أظهرت التحريات أن بعض المستوردين قاموا بتحويل مبالغ مالية ضخمة إلى الخارج على شكل تسبيقات تجارية، بلغت في بعض الحالات ثلث القيمة الإجمالية للعقود، ليُكتشف لاحقًا أن الصفقات لم تُنفذ فعليًا، في سلوك يتنافى مع مبادئ الشفافية ويؤكد وجود نية مسبقة للتهرب الضريبي عبر مسارات معقدة ومضلِّلة.

ومن خلال عملية “contrôle a posteriori”، أي المراقبة البعدية، تم رصد العديد من الحالات التي اعتمدت فيها شركات مغربية على فواتير غير مطابقة للواقع، مع استغلال ثغرات في منظومتي “BADR” و”PORT/NET” بغية تمرير بيانات تجارية مضللة، خصوصًا في ما يتعلق بالواردات القادمة من الصين التي تُعتبر أكثر القطاعات عرضة للتلاعب بالقيمة والتدليس الجمركي. وقد أكدت مصادر جمركية مطلعة لـ ريف ديا أن مصالح الجمارك ومكتب الصرف باتت تتوفر اليوم على قاعدة بيانات رقمية متقدمة تمكّنها من تتبع أدق التحويلات والعمليات البنكية المريبة، مشيرة إلى أن الأبحاث شملت كذلك تتبّع الأموال المهربة إلى الخارج والتي تم توطينها في أصول عقارية أو حسابات بنكية بأسماء أقارب و عائلات بعض المستوردين ، في إطار عملية تبييض ممنهجة للأموال، بتواطؤ مع وسطاء وسماسرة محترفين في التدبير المالي الموازي.

وشددت المصادر على أن مكتب الصرف عازم على إحالة ملفات ثقيلة على القضاء، بعدما فشلت محاولات التسوية الودية لإرجاع الأموال المهربة. وهي ملفات تشمل أسماء شركات كبرى تُعتبر واجهات اقتصادية لأفراد ينتمون إلى عائلات الاعيان. وهنا يجدر التأكيد، هذا البحث والتحقيق يجب أن يسري على الكل، الشركات الكبرى ورجال المال والأعمال والباطرونات الكبرى، ولوبيات الاقتصاد المغربي المتحكمين في كل شيء، دون استثناء.

ويُنتظر من مصالح القيمة داخل الإدارة الجمركية أن تفتح هذه الملفات الشائكة بنفس الصرامة، وأن تتطرق للمعايير الحقيقية التي تُحتسب على أساسها القيمة الجمركية للبضائع، بدل الاقتصار على الملفات الصغيرة التي لا تثير الجدل ولا تمس أصحاب الامتيازات الاقتصادية.

وفي هذا السياق، سبق لنا في ريف ديا أن أشرنا في مقالات سابقة إلى مظاهر التدليس والتلاعب في التصاريح الجمركية، وسنعود في مقالات قادمة لتناول موضوع القيمة الجمركية وكيفية احتسابها، مسلطين الضوء على الثغرات القانونية والإدارية و الشواهد “EUR1” التي تُستغل في التهرب الضريبي والاغتناء غير المشروع، في ظل ما يشهده المشهد الاقتصادي من فساد مالي مقنّع أضرّ بمبدأ المنافسة الشريفة وضرب في الصميم مصداقية المؤسسات الاقتصادية والمالية في البلاد.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح