” التحايل الجمركي”.. شركات أجنبية تورّط نفسها في شبكة الغش.

ريف ديا : احمد علي المرس
أفادت مصادر مطلعة لجريدة ريف ديا الإلكترونية أنّ فرق المراقبة الجهوية للجمارك بكلٍّ من الدار البيضاء وطنجة، وبتوجيهات دقيقة من مصلحة المراقبة المركزية التابعة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، أخضعت ثلاث شركات أجنبية عاملة في مجال صناعة وتوزيع الملابس الجاهزة والاستيراد والتصدير لعملية تدقيق معمّقة، بعد الاشتباه القوي في تورطها في ممارسات غش وتحايل خطيرة على نظام الإعفاءات الجمركية (franchise douanière) واستغلالها المريب لمسطرة القبول المؤقت (Admission temporaire) بغرض التهرّب من أداء الرسوم الجمركية التي تُقدَّر بمليارات السنتيمات.
ووفقًا للمعطيات نفسها، فإن فرق المراقبة اعتمدت في تحقيقاتها على مؤشرات اشتباه دقيقة وتقارير استخبارية صادرة عن مصلحتي الاستعلامات وتحليل المخاطر بقسم الوقاية بإدارة الجمارك، لتقف على خروقات وصفت بـ”الخطيرة”، ارتبطت بمساطر استيراد مؤقت تم تحويلها بطرق ماكرة إلى circuit parallèle داخل السوق الوطنية، في تحدٍّ صارخ للقانون الجمركي ولأعراف التجارة الدولية.
وتشير المصادر داتها إلى أنّ إحدى هذه الشركات، وهي الأكبر ضمن الثلاث المعنية، تواجه غرامات مالية ثقيلة بعدما ثبت تورطها في إدخال أطنان من الأثواب تحت ذريعة إعادة تصديرها نحو أوروبا، في حين تم استغلالها فعليًا داخل المغرب عبر عقود مع مقاولات محلية لتزويدها بملابس وأزياء مهنية، في محاولة ملتوية لتبييض الأنشطة التجارية وإخفاء الطابع الاحتيالي للعمليات.
وقد كشفت تحريات فرق الجمارك أنّ الشركة المذكورة كانت تتعمّد استبدال الأثواب المستوردة في إطار مسطرة القبول المؤقت بأخرى محلية رديئة الجودة، تُقدَّم كمحاولات تصدير صورية بعد رفضها من طرف مستوردين أوروبيين، في ما بدا أنه سيناريو محبوك بدقة للاحتيال على نظام الإعفاء واستغلال الثغرات القانونية لتحقيق أرباح ضخمة دون وجه حق.
كما عمدت الشركة إلى تقديم محاضر وفواتير “إلغاء” لتبرير الكميات المستوردة، مدعية أن الشركات الأوروبية رفضت السلع، في مسعى مكشوف لتفادي أداء الرسوم الجمركية والالتزامات القانونية المترتبة.
ويتيح نظام Admission temporaire للمقاولات المغربية والأجنبية إمكانية استيراد مواد أولية لغرض التصنيع المحلي مع تعليق مؤقت للرسوم الجمركية، على أن تتم تسوية الوضعية بإعادة التصدير خلال آجال محددة قانونًا. غير أنّ هذا النظام يخضع لمراقبة دقيقة ومتابعة صارمة من طرف الإدارة العامة للجمارك، عبر منظومة “بدر” المعلوماتية المتطورة، التي تعتمد خوارزميات ذكية لكشف أي محاولة غش أو تلاعب في البيانات، مدعومة بإشعارات الضبط والتبليغ الواردة على الفرقة الوطنية للجمارك.
وفي السياق ذاته، كشفت المصادر عن تحرك فرق المراقبة الجمركية نحو مستودعات ضخمة تابعة لإحدى الشركات المشتبه فيها، لتعقب مصير أطنان من الأثواب المستوردة التي اختفت وسط عمليات تصدير مشبوهة. وقد حاولت الشركة تبرير الفارق بين الكميات المستوردة والمعاد تصديرها بادعاء تلفها أثناء التخزين، غير أنّ المحققين الجمركيين أكدوا أن نسب التلف محددة بدقة لكل قطاع ولا يمكن تجاوزها، وأن الحصيلة يجب أن تتطابق مع ما تم تصديره فعلًا.
ولم تتوقف التحريات عند هذا الحد، إذ تمّ الوقوف على تلاعبات أخرى مست مساطر الصرف وعدم تسجيل عودة قيمة الصادرات إلى المغرب، بدعوى إلغاء صفقات مع مستوردين أوروبيين، وهو ما اعتبرته الإدارة محاولة لتبرير غياب العائدات المالية لعمليات تصدير وهمية.
وقد شددت مصادر “ريف ديا” على أن هذه الأفعال لا تمثل سوى وجه من أوجه الغش الصناعي والتجاري الذي يهدد الاقتصاد الوطني ويمسّ مبدأ الشفافية والمنافسة الشريفة. في المقابل، نوهت المصادر نفسها بالمجهودات الجبارة التي تبذلها فرق الجمارك في التصدي لهذه الممارسات غير القانونية، وتفكيك شبكات الغش والتلاعب الجمركي التي تستنزف خزينة الدولة وتُخلّ بتوازن السوق الوطنية.
إنّ حزم الإدارة العامة للجمارك في تتبع مثل هذه الملفات الحساسة يعبّر عن إرادة حقيقية لتطهير الحقل الاقتصادي من “لوبيات” التهرب والتدليس، وتكريس ثقافة المراقبة والالتزام بالقانون. فالجمارك المغربية، بما تمتلكه اليوم من كفاءات بشرية مؤهلة وأدوات رقمية متقدمة، أصبحت خط الدفاع الأول في حماية الاقتصاد الوطني من كل أشكال التهريب المقنع والغش التجاري الذي يختبئ وراء شعارات “الاستثمار” و”الإعفاء”.






