تحقيق: من أجل إنصاف رجالات المقاومة بالريف ضحايا ظهير 1926

RIF ABDELKARIM

نود في هذا التقرير تسليط الأضواء على إحدى القضايا الهامة جدا، والتي لا تزال تشكل وصمة عار على جبين هذا الوطن. ونود من خلاله أيضا إثارة انتباه واهتمام جميع الحقوقيين والسياسيين ورجال القانون والقضاء، والمدافعين على حفظ الذاكرة، ومنظمة جيش التحرير والمقاومة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والجمعيات الحقوقية، وهيئة المحامين بالمغرب والمهتمين وكل الضمائر الحية في الداخل والخارج لهذه القضية التي تعني مجموعة من رجالات المقاومة بالريف أثناء حرب التحرير الذين سنذكر أسماءهم لاحقا بالتفصيل، والذين تحملوا مسؤوليات مدنية أو عسكرية في ثورة وحكومة محمد بن عبد الكريم الخطابي.

هؤلاء الرجال ضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذا الوطن ورغم ذلك لم ينصفوا أحياء أومواتا من ظلم الظهير المشؤوم الذي صدر في حقهم سنة 1926، والقاضي بنفيهم من الريف إلى المنطقة الفرنسية، مع تجريدهم من كل أملاكهم المنقولة وغير المنقولة وجميع حقوقهم المدنية. إن هذا القرار المشؤوم مازال ساري المفعول إلى حدود يومنا هذا رغم مرور تسعة عقود على إصداره، وستة عقود على ‘استقلال’ المغرب.

المجموعة التي شملها هذا القرار، رُحِّل أفرادها كلهم إلى المنفى سنة 1926، ولم يسمح لأهلهم لاحقا حتى بدفنهم في مسقط رأسهم بالريف، فدفنوا في منافيهم.

بعض عائلات هذه المجموعة حاولت مراسلة المسؤولين في الدولة قصد رفع الحيف عنهم مطالبين بإنصافهم واسترجاع الأملاك التي صودرت من آباءهم بعد نفيهم إلى مدن كالصويرة وأسفي والجديدة وفاس ومليلية…

كان رد حكومة اليوسفي على هذه المطالب الرفض المطلق. وقد عللت الحكومة رفضها هذا ”بأن المعنيين أو أفراد المجموعة، لم يشملهم العفو بعد”.

وعلى ضوء هذا الجواب الذي نراه خطيرا ومجحفا، قررنا أن نذهب إلى أبعد حد في الدفاع عن هذا الملف.

أجرينا في هذا الصدد تحقيقا، واشتغلنا عليه منذ غشت 2014 مع عائلة حدو لكحل، لكن قبل استعراض تفاصيل هذا التحقيق، نود في البداية التأكيد على أننا لا ندعي التوفر على جميع المعطيات، او أننا نعرف كل الحيثيات التي ترتبط بهذا الملف، لكننا جمعنا ما يكفي من المعطيات التي تؤكد عزم الحكم المغربي في إطالة محنة عائلات هؤلاء المقاتلين والمكافحين.

في سياق هذا التحقيق، زرنا في غشت 2014، أحد هؤلاء الضحايا وهو السيد علي الخطابي، ابن حدو لكحل البقيوي. حدو لكحل هذا، عمل طيارا حربيا في حرب التحرير التي قادها عبد الكريم. وزرناه للمرة الثانية يوم 26 غشت 2015 في بيته الذي يوجد في مدينة الحسيمة لنستكمل التحقيق الذي بدأناه قبل سنة، وقبل ان نبدأ في الحديث حول موضوع الزيارة، سألته إن كان عازما أن يصوت في الانتخابات أم لا؟ فأجاب ” أنا لست مواطنا بعدا…”!

بعد أسر عبد الكريم الخطابي وعائلته في يونيو 1926، تم اعتقال السيد حدوا لكحل ونفيه مباشرة هو ومجموعة من المسؤولين في حكومة عبد الكريم إلى الصويرة، وهناك توفي سنة 1952 دون ان يعود الى الريف حيا أو ميتا. حدوا لكحل ورفاقه الآخرون (أكثر من 16 فردا ومن بينهم وزير الخارجية ازرقان، ووزير العدل الفقيه بولحية، والرئيس عبد الكريم) ماعدا هذا الأخير الذي نفي خارج الوطن، تم نفي الباقي إلى مدن الصويرة، آسفي ،الجديدة، فاس ومليلية… مع تجريدهم من كل الحقوق والأملاك الخاصة وذلك بمقتضى الظهيرين الصادر أولهما في 19 محرم 1345 الموافق لفاتح غشت 1926، وثانيهما في فاتح ربيع الأول 1345 الموافق 9 أكتوبر 1926، حيث أمر بموجبهما الخليفة ‘مولاي’ الحسن بن المهدي بن اسماعيل وبمصادقة المقيم العام الإسباني السيد خوسي سان خورخوا بتثقيف جميع الأملاك التي توجد بقيادة أزمورن بإقليم الحسيمة بالنسبة للسيد حدو لكحل، وتثقيف ومصادرة أملاك باقي ممن صدر في حقهم قرار النفي, لتصبح في يد المخزن كل الأملاك التي كانت تخصهم قانونيا، وتعاد إلى الأحباس والزوايا والأشخاص تلك التي انتزعت منهم.

اعتقد أغلبهم أن مع مجيء ‘استقلال’ المغرب ربما سيلغى قرار نفيهم التعسفي وإرجاع أملاكهم، حتى يعودوا الى أهلهم في الريف، على الأقل لمن بقي على قيد الحياة حينها، لكن دون جدوى، رغم الرسائل والاتصالات مع المسؤولين، وكان آخرها الرسالة التي وجهها السيد علي الخطابي في 1999 لحكومة اليوسفي.

المجموعة التي صدر في حقها هذا القرار الظالم هي:

1- السيد محمد أزرقان من أجدير، وزير خارجية حكومة الريف، تم نفيه إلى مدينة الجديدة، وبعد سنة 1956 انتقل للاستقرار في طنجة حيث توفي ودفن.

2- السيد حموش بن محمد بن الحاج الاجديري.

3- السي محمد حدو بن السي زيان (أمغار) من أجدير، تقلد مناصب أمنية عليا من بينها الأمن الرآسي ونفي مع الأمير إلى جزيرة لاريونيون، عاش مع الامير في مصر ، توفي في سنة 1964 ودفن هناك في مقبرة العباسية.

4- عبد الكريم بن حدو سي زيان من أجدير، قائد المشور، نفي إلى مدينة فاس.

5-امحمد بن حدو سي زيان، مكلف بالأمن الرآسي، نفي إلى فاس (شقيق عبد الكريم ومحمد).

6- السيد حدو بن حمو المعروف بحدو لكحل من قبيلة بقيوة (إزمورن)، كان طيارا حربيا وسفيرا لحكومة الريف في فرنسا، نفي إلى مدينة الصويرة حيث توفي ودفن سنة 1952.

7- محمد بن علي لوكيلي بولحية، كان قاضيا ووزيرا للعدل في حكومة عبد الكريم، نفي إلى مدينة اسفي حيث مات ودفن سنة 1941.

8-مصطفى بن السي بودرة الاجديري (تم نفيه إلى مليلية)

9- محمد بن السي بودرة الاجديري (شقيقه).

10-السي بنحدو من أبت كمون

11-السي محمد بن الحاج الحسن من ترجيست

12-السي محمد بن المقدم من تركوت

13-السي عبد السلام بن المقدم من تركوت (شقيقه).

14-ولد السي محمد ألوحو من ترجيست

15-ولد السي محمد حدوش من ايت توزين

16-علوش بن حدوا النمار من بقيوة

17- السيد محمادي الحاتمي، المستشار السياسي و كاتب عام للحكومة، نفي إلى مدينة أسفي وفي بداية السبعينات انتقل إلى سلا التي دفن فيها سنة 14 يوليوز 1975.

18-عبد السلام البوعياشي الذي عمل وزيرا للدفاع والذي نفي إلى مليلية ومكث في سجن القلعة هناك أربعة سنوات ثم أعيد إلى الريف تحت الإقامة الإجبارية.

19-محمد بوجيبار، المستشار السياسي لعبد الكريم والذي تم نفيه إلى مدينة الجديدة وانتقل بعد ذلك إلى الدار البيضاء حيث دفن.

كان ظهير 1926 المشؤوم، يتضمن أسماء 16 مسؤولا، غير انه كانت هناك أسماء شخصيات أخرى تم نفيها ولم يتضمنها الظهير. كما انه لابد من الإشارة كذلك الى أن بعض هؤلاء تم نفيهم واعتقالهم في سجن القلعة بمليلية ويتعلق الأمر بأكثر من 50 مقاتلا كانوا معتقلين هناك. وأخرون لا نعرف مكان نفيهم.

وكانت التهم الموجهة لهؤلاء المسؤولين والتي على أساسها تقرر نفيهم بموجب ظهير 1926 الصادر عن الخليفة مولاي الحسن ابن المهدي بن إسماعيل، ووقعه المندوب السامي الجنرال خوس سان خورخو، هي:

الحمد لله وحده ولا يدوم إلا ملكه “يعلم من هذا الكتاب الشريف والأمر الأسمى المنيف أنه حبا في التمني على موجب العدل والإنصاف وعقابا على المسلك الشنيع الذي سلكه ضد السلطة الحقيقية الذين شاركوا في الثورة التي ترأسها مجان ولد عبد الكريم الخطابي وامتازوا بمعاكستهم للمخزن الشريف وللدولة الحامية وهم ( الأسماء نشرت أعلاه)”.

ملتمس السيد علي الخطابي إلى حكومة اليوسفي:

السيد علي الخطابي نجل السيد حدو لكحل البقيوي راسل الحكومة المغربية سنة 1999 مطالبا إياها بإرجاع أملاك والده التي تم مصادرتها منه بظهير 9 أكتوبر 1926.

الحكومة المغربية التي كان يترأسها اليوسفي، في شخص وزارة المالية والاقتصاد، تشبثت بهذا الظهير، ورفضت تسوية وضعيته (ارجاع أملاكه إلى ورثته) وذلك في الرسالة المؤرخة في 28 فبراير 2000 الموقعة من طرف السيد أحمد لمريني الوهابي كرئيس قسم إدارة الأملاك.

نص رسالة وزارة الإقتصاد والمالية :

” (…) وبعد، تبعا لرسالتي المشار إليها في المرجع يشرفني أن أخبركم أنه تبين من خلال دراسة ملتمسكم المتعلق بإرجاع أملاك والدكم السيد حدو لكحل البقيوي الكائنة بإقليم الحسيمة أنه تمت بواسطة الظهير المؤرخ في 9 أكتوبر 1926 مصادرة أملاك مجموعة من الأشخاص ومن ضمنهم مورثكم المذكور. غير أن مورثكم لم يصدر بشأنه أي قرار يأذن بإرجاع الأملاك المصادرة منه، وبالتالي نتعذر الاستجابة لملتمسكم. وتفضلوا بقبول فائق التحيات، والسلام./. عن وزير الإقتصاد والمالية (انظر الرسالة ضمن الصور).

السيد علي الخطابي فقد الامل تقريبا رغم الاتصالات والرسائل التي ارسلها الى المسؤولين في الرباط. ”جردونا من كل شيء، الاراضي، الماشية، المنازل…ليس لدينا ولو شبر واحد من الأرض لزرع حبة قمح…” يقول السيد علي.

ابنة السيد علي الخطابي السيدة خديجة الخطابي تساءلت بكثير من الحسرة ”هل هذا ما يستحقه جدي وباقي المقاتلين، جدي حدو لكحل الذي كان مقاتلا وطيارا حربيا قاتل إسبانيا لمدة ستة سنوات وعلى كل الجبهات؟”. خديجة تُسائل الحكومات المغربية لماذا تم استثناء جدها وباقي المعنيين من الظهير الشريف الذي أصدره السيد أحمد بلفرج سنة 9 أكتوبر 1958 والقاضي بإرجاع أو تعويض الأملاك المصادرة من عائلة عبد الكريم الخطابي سنة 1926.

نص الظهير الشريف الذي بموجبه تم إرجاع أملاك عبد الكريم الخطابي:

ظهير شريف رقم 1.58.099 – الإذن بإرجاع أملاك مصادرة- علم عن ظهيرنا الشريف هذا أسماه الله وأعز أمره أننا أصدرنا أمرنا الشريف بما يلي:

—–الفصل الأول—-

ترد ضمن الشروط المحددة في الفصول الموالية من ظهيرنا الشريف هذا إلى السيد محمد بن عبد الكريم الخطابي وأفراد عائلته أملاكهم المصادرة بمقتضى الظهيرين الصادر أولهما في 19 محرم 1345 الموافق لفاتح غشت 1926 وثانيهما في فاتح ربيع الأول 1345 الموافق ل 9 أكتوبر 1926.

—الفصل الثاني—-

إن الأملاك التي تستعملها المصالح العمومية أو المؤسسات العمومية أو الجماعات العمومية والتي لا يتأتى تحويلها عما خصصت إليه يتقاضى السيد محمد بن عبد الكريم الخطابي وأفراد عائلته قيمتها نقدا.

—الفصل الثالث—

إن الأملاك التي فوتتها الدولة ترجع إن اقتضاه الحال بعد استشارة وزير الداخلية ومصلحة الأملاك المخزنية إلى السيد محمد بن عبد الكريم الخطابي وأفراد عائلته. غير أن المعني بالأمر يتقاضى قيمة الأملاك المذكورة نقدا إذا كان تفويتها من طرف الدولة قد انجز ضمن الشروط العادية.

—-الفصل الرابع—-

يسند تنفيذ ظهيرنا الشريف هذا إلى وكيل وزارة الاقتصاد الوطني في المالية والسلام. وحرر بالرباط في 25 ربيع الأول عام 1378 موافق 9 أكتوبر 1958 وسجل برئاسة الوزارة بتاريخه.

الإمضاء : أحمد بلفرج.

جمال الكتابي مع علي الخطابي ابن المرحوم حدو لكحل

هذا الظهير لم يطبق منذ إعلانه وذلك نظرا لموقف عبد الكريم من الدستور 1962 الذي طالب أنذاك المغاربة بمقاطعته. على ضوء هذا الموقف تم تجميد كل الخطوات في هذا الإتجاه. بدأت عملية إرجاع الأملاك إلى ورثة عبد الكريم منذ سنة1981 بعد نقاش أجراه الحسن الثاني مع نجل عبد الكريم السيد سعيد الخطابي والمنصوري بنعلي وهذا ما أكدته لنا عائشة الخطابي في لقائنا بها الصيف الماضي.

على ضوء هذا التحقيق، نجد ان الأسئلة التالية تطرح نفسها بقوة:

1-لماذا لم تسو وضعية هؤلاء الأبطال إلى حد الآن عبر سحب الظهيرين المشؤومين أو عبر إصدار عفو عام؟

2-من يجب أن يصدر هذا ‘العفو’ ؟ المغرب؟ إسبانيا؟فرنسا؟

3-لماذا استثني هذا الملف من الإنصاف والمصالحة؟

4-لماذا لم يهتم الوزير الأول اليوسفي بهذا الملف عندما توصل لرسالة السيد علي الخطابي سنة 1999 طالبا منه رفع الظلم عن هذا الملف؟

5-أين هي المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير من هذا الملف؟

هذا الملف يعتبر بهذا الملف من أخطر الملفات (ما بعد ملف الغازات السامة) الذي لم يلق طريقه الى الحل رغم 60 سنة من ‘الاستقلال’ و90 سنة عن صدور الظهير.

الخطوات العملية لإنجاز مبتغى هذا التحقيق:

1- التنسيق والتواصل والتشاور مع باقي عائلات المعنيين بالأمر .

2-التواصل والتنسيق مع الراغبين من جمعيات وإطارات مدنية وسياسية في تحمل المسؤولية للدفاع عن هذا الملف.

2- مراسلة الديوان ورئيس الحكومة والغرفتين ورؤساء الأحزاب والمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان

4-الهدف هو: إنصاف هذه العائلات معنويا وماديا مع رد الإعتبار إليها من خلال سحب الظهيرين المشؤومين الذين أصدرتهما سلطات الإحتلال الإسبانية في حق هؤلاء سنة 1926.

في الأخير تعازينا ومواساتنا الحارة لعائلة وأبناء الراحل علي الخطابي الذي رحل عنا قبل أيام. رحل ولم يحقق حلمه ياللأسف في استرجاع أملاك ورفع الظلم عن تاريخ والده. أحيي عاليا ابنته السيدة خديجة التي اشتغلنا معا حول هذا الملف ولمدة سنة ونصف كاملة وكما أحيي كل من ساهم في إنجاز هذا التقرير..

ملاحظة لا بد منها:

يقال أن من بين وصايا الجنرال ‘ألبيرتو كاسترو خرونا ‘ قبل وفاته سنة 1969 هي ضرورة إلغاء ظهير 1926 وإرجاع الحق لأهله. للأشارة إن الجنرال كان أخر من تفاوض شخصيا مع أعضاء قيادة الثورة (حدو لكحل، بوجبار، الحاتمي وأزرقان) لتسليم عبد الكريم وأنفسهم.

من إنجاز : جمال الكتابي

مهتم وباحث في قضايا الريف وحقوق الإنسان

عضو مؤسسة عبد الكريم الخطابي بهولندا

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح