إشكالية النزاع حول الجهوية بين الريف و المخزن
عبد الكريم الطاهري
تعتبر اللامركزية أساس التنمية من الأسفل أو من القاعدة و التي تسمح بتفويض المهام و الموارد و المسؤوليات فيما يتعلق بأداء المهام و الوظائف العمومية من المركز الى الهيئات اللامركزية الخاضعة لها أو المستقلة و / أو القطاع الخاص و ذلك من اجل تحقيق ديمقراطية محلية وتنمية اقتصادية.
كما أن الحكامة تنطلق من الفكرة التي مفادها أنه كيف يمكننا أن نتزود بالأليات و الأدوات و الوسائل و القوانين و القواعد المتفق عليها من طرف السلطات العمومية و المواطنين و التي يمكنها أن تضمن لنا الفعالية الضرورية للمؤسسات و المواطنين لتحقيق تنمية مستدامة.
وبالتالي فان الحكامة تشكل القاسم المشترك بين مختلف البلدان عبر العالم رغم اختلافها في توزيع الوظيفة الادارية بين الدولة والهيئات المحلية، حسب نمط وظروف كل بلد، لكون كل دولة تاخد بالاسلوب الذي يتفق مع ظروفها من أجل رفع التحديات والرهانات المرتبطة بالتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية و البشرية.
و بذلك أصبحت اللامركزية تشكل الشرط الأساسي لنجاح الحكامة الجيدة المستدامة من خلال ابراز المسؤولية و تحقيق ادماج و مشاركة المواطنين و الأنشطة الاقتصادية في التنمية المحلية.
وهكذا و رغم اختلاف الباحثين و الخبراء و المفكرين الاجتماعيين في تحديد مفهوم التنمية ومع التحولات المتسارعة و الأزمة الاقتصادية التي يعرفها العالم وتعقد المشاكل التنموية وصعوبة معالجتها مركزيا، فقد تم اقحام مفاهيم أخرى مقاربة و مقارنة لتوصيف الحالة كالنمو و التطور و التقدم و التحديث و الحداثة و التخلف و التغيير. كما تستدعي حركية عملية التنمية و تعقد مضامينها و أبعادها النظر اليها بطريقة شاملة و متكاملة و متزامنة في أبعادها المختلفة. و قد دفعت كثرة التعاريف و الاختلافات القائمة حول مفهوم التنمية و المفاهيم التي ارتبطت بها كالاستدامة و الشمول الى ادماج أبعاد جديدة.
ففضلا عن البعد الاقتصادي أدمج البعد الاجتماعي و السياسي و الثقافي و البشري و سائر الأبعاد الفكرية و الفلسفية و الدينية للتنمية ذاتها حتى عرفت من طرف العديد من الباحثين على أنها ليست أقل من مشروع حضاري للمجتمع بأسره في معظم نواحي حياته ، و ان لم نقل جميعها وبذلك كان لزاما التفكير في الوسائل المؤسساتية والقانونية والتنظيمية والتمويلية لترجمتها على ارض الواقع، وبالتالي اصبحت الجهة باعتبارها جماعة محلية الاطار الملائم لبلورة استراتيجية بديلة لهذه التنمية. و بذلك أصبح موضوع الجهة يستقطب اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة ليس في المغرب فقط بل بمختلف بقاع العالم كاطار ملائم لبلورة استراتيجية بديلة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و المحلية من أجل ترسيخ الديموقراطية وتطوير البناء الجهوي و كنظام لتدبير الشؤون المحلية.
وسيكون لها بدون أدنى شك نتائج ايجابية على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي حيث لا يمكن الحديث عن التنمية بدون مجال واسع متكامل كفيل بادماج العوامل التنموية في مسلسل الاقلاع الاقتصادي الجهوي.
اذن فكيف ينظر الريف الى مشروع الجهوية الموسعة التي توصلت اليها اللجنة الاستشارية للجهوية مؤخرا في ان تحقق لنا تنمية متوازنة بالمغرب؟
وهل يقبل الريفيون بالمعايير و المقاربات المعتمدة في رسم خريطة التقطيع الجهوي وبلورة المقترحات والتوجهات الاسترابيجية المشكلة للتصور العام التي خلصت اليها هذه اللجنة ؟ و اذا لم يقبلو بذلك فلماذا يرفض أبناء الريف هذه الصيغة التي جاءت بها هذه اللجنة الاستشارية المخزنية و ما هي الاليات الجديدة التي يمكن الاعتماد عليها للخروج من هذا المأزق بحل يرضي الطرفين )الريف و المركز(؟
للإجابة على هذه الاسئلة سنقوم باستطلاع الرأي حسب منهجية تستهدف مختلف الفاعلين الجمعويين و السياسيين و الاقتصاديين ومختلف الفئات المثقفة و الأنتلجنسية و الطبقة الكادحة من المواطنين وفق عينة منسجمة و متجانسة لابداء أرائهم في الموضوع بشكل محايد و موضوعي ثم نتطرق الى مناقشة و تحليل الموضوع في المقالات المقبلة بشكل مجزأ و مبسط نزولا عند رغبة قرائنا الأعزاء بعدم اعيائهم و اثقالهم بالنصوص الطويلة .