“الحرب الباردة” بين المغرب وإسبانيا.. 4 أسباب تجعل التصعيد العسكري خيارا مُستبعدا

شهدت العلاقات المغربية الإسبانية، منذ عودة الحزب العمالي الاشتراكي إلى سدة الحكم منتصف سنة 2018 عقب إطاحة البرلمان بحكومة الحزب الشعبي اليميني، تقاربا غير معهود منذ سنين بلغ حد دعم حكومة بيدرو سانشيز للمغرب في العديد من القضايا في مواجهة أحزاب ومنظمات مدنية داخل إسبانيا، خاصة ما يتعلق بالهجرة والمبادلات التجارية وحتى في قضية الصحراء بشكل ضمني.

غير أن هذا التقارب تعرض لهزة عنيفة منذ يناير الماضي، حين قرر المغرب استكمال المسار التشريعي لعملية ترسيم الحدود البحرية لتشمل الأقاليم الجنوبية، الأمر الذي هدد سلطة إسبانيا، وتحديدا إقليم جزر الكناري، على ثروات معدنية كبيرة توجد في عمق المحيط الأطلسي، وفي الوقت نفسه ألهب التوجهات العدائية تجاه المغرب لليمين المتطرف الذي يمثله حزب “فوكس” الشعبوي، ثالث أكبر قوى البرلمان الإسباني، لدرجة الدعوة لاستخدام الخيار العسكري.

وعلى الرغم من أن التوجه الرسمي للرباط ومدريد، المعلن عنه بشكل صريح خلال لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيرته الإسبانية أرانتشا غونزاليس لايا في يناير الماضي، هو استخدام لغة “الحوار” وعدم الإقدام على أي تصرف “أحادي الجانب”، إلا أن لغة التحدي عادت للبروز مؤخرا من خلال حديث رئيس حكومة الكناري الإقليمية عن كون ما يقوم به المغرب يمثل “احتلالا محكوما عليه بالفشل”، وذلك بعد أيام من المناورات العسكرية البحرية المغربية الأمريكية المشتركة في السواحل الأطلسية.

وأعادت هذا اللغة الصدامية، إلى جانب رفع المغرب يده عن موجات الهجرة غير النظامية انطلاقا من سواحله الشمالية وسواحل الصحراء المجاورة لجزر الكناري، بالإضافة إلى تشديد الإغلاق المفروض على مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، (أعادت) طرح إمكانية حدوث مواجهة عسكرية على غرار تلك التي وقعت سنة 2002 بسبب جزيرة “ليلى”، وهو الاحتمال الذي يبدو بعيدا في الوقت الراهن بسبب جملة من المتغيرات تُجمل “الصحيفة” أبرزها في هذا التقرير.

سانشيز ليس هو أثنار

وتأتي في صدراة تلك المتغيرات الحكومةُ الإسبانية نفسُها، ففي يوليوز من سنة 2002 عندما دخل 12 فردا من عناصر القوات المسلحة الملكية إلى جزيرة ليلى بهدف معلنٍ كان هو مراقبة تحركات الهجرة السرية وعمليات تهريب المخدرات، كان يوجد على رأس الحكومة الإسبانية في ذلك الوقت رجل لا زال إلى الآن يوصف بأنه “عراب اليمين الجديد” في إسبانيا وهو خوسي ماريا أثنار، الذي كان مهووسا بالتاريخ التوسعي لإسبانيا وفخورا بما يسميها “حروب الاسترداد” التي هجَّرت المسلمين من الأندلس، لذلك كان يتوق لأي فرصة كهذه لاستعراض العضلات العسكرية الإسبانية أمام المغرب.

لكن أثنار سقط سقوطا مدويا سنة 2003، وأعقبته حكومة خوسي لويس رورديغيز ثاباتيرو الاشتراكية ثم حكومة ماريانو راخوي اليمينية، لتعقبها مرة أخرى حكومة اشتراكية بقيادة سانشيز، الرجل الذي اختار أن يكون براغماتيا تجاه المغرب انطلاقا من أن بلاده هي الشريك الاقتصادي الأول للرباط، ولكونها تمثل درع الصد أمام تدفقات الهجرة السرية والشريك الفعال في التصدي للمخططات الإرهابية، لذلك لم يكن مستغربا أن يتدخل مؤخرا لإقناع الملك فيليبي السادس بإلغاء زيارته إلى سبتة ومليلية مثلا، في محاولة لتجنب أي نوع من الصدام مع الجار الجنوبي.

الدور الأمني للرباط

وبالحديث عن التهديدات الإرهابية، لا بد من الإشارة إلى أن إسبانيا تلقت درسا قاسيا سنة 2003 بسبب صدامها العسكري مع المغرب حول جزيرة ليلى، حيث مثلت هجمات 11 مارس بمحطة قطار الأنفاق “أطوتشا” بقلب مدريد والتي نفذها أشخاص من أصل مغربي، الضربة القاضية لطموحات خوسي ماريا أثنار السياسية، حيث تلقى بعدها بأيام هزيمة مفاجئة أمام الحزب العمالي الاشتراكي، لتبدأ مدريد منذ ذلك الوقت مرحلة جديدة من التعاون الأمني والاستخباراتي مع الرباط.

ويمثل هذا التعاون القائم منذ سنة 2005، إحدى أبرز أوراق الضغط بيد المغرب وفي نفس الوقت إحدى أهم نقط القوة التي تفرض على العديد من الدول الأوروبية وضع الرباط في حسبانها، وخلال السنوات الأخيرة أعلنت إسبانيا عن مساهمة الأجهزة المغربية في إحباط العشرات من المخططات الإرهابية، حتى أن عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، حصل على توشيحين من مدريد عامي 2018 و2019 بتوصية من وزير داخليتها فرناندو غراندي مارلاسكا، الأول بوسام الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني والثاني بوسام الصليب الأكبر للحرس المدني.

خطر الهجرة غير النظامية

وإلى جانب ذلك يمثل المغرب الشريك الأول لإسبانيا في مجال محاربة الهجرة غير النظامية، هذا الأمر الذي مثل بدوره دائما ورقة ضغط في يد الرباط تجاه مدريد خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء أو ملف سبتة ومليلية، وهي الورقة التي بدأ اللعب بها مؤخرا عبر تخفيف المراقبة الأمنية على السواحل وأمام السياجين الحدوديين مع الثغرين، مباشرة عقب استقبال مندوبة الحكومة في سبتة للقنصل العام الفرنسي القادم من مدريد الذي وعد بافتتاح قنصلية فرنسية في المدينة المحتلة.

وقبل ذلك كان وزير الداخلية الإسباني يعترف بأن الشراكة مع المغرب أدت إلى تراجع قياسي لأعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى البحر أو المتسللين إلى سبتة ومليلية سنة 2020، مدافعا عن الدعم المالي البالغة قيمته 30 مليون يورو المقدم من الحكومة الإسبانية لنظيرتها المغربية لأجل مساعدتها على “مكافحة الهجرة غير القانونية وعمليات الاتجار بالبشر”، إذ تعي إسبانيا أن مراقبة السلطات المغربية لحدودها لا تعني منع مواطنيها فقط من الوصول إلى التراب الإسباني بل أيضا التصدي لأعداد كبيرة من المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء ومن دول عربية تعاني من اضطرابات مثل سوريا.

تغير الموازين العسكرية

وإلى جانب كل ذلك، تلعب موازين القوى العسكرية أيضا دورا رئيسيا في تفادي وصول الأزمات بين البلدين إلى مرحلة الصدام العسكري، فإسبانيا تعي أن الصفقات المتتالية التي أجراها المغرب لاقتناء أسلحة ثقيلة وقطع حربية برية وجوية وبحرية متطورة، جعلته في موقع أفضل مما كان عليه سنة 2002 حين سارع أثنار لتحريك الجيش الإسباني باتجاه جزيرة ليلي في عملية “روميو سييرا” التي انتهت باعتقال عناصر القوات المغربية بشكل مهين أمام عدسات الكاميرات.

وهذا التغير في قواعد اللعبة العسكرية نبهت إليه في يوليوز الماضي صحيفة “إلكونفيدينثيال” الإسبانية، التي أوردت في تقرير مفصل لها أن سلاح المدفعية الحديث الذي أصبح المغرب يتوفر عليه في السنوات الأخيرة “وضع إسبانيا خارج اللعبة”، قائلة إن فرقا كبيرا يُلاحظ بين جودة الترسانة الحربية المغربية قبل سنة 2010 ووضعها الحالي، وأضافت أن الرباط فاجأت إسبانيا باقتناء سرب طائرات “إف 16” ومروحيات “أباتشي” وفرقاطة “فريم” ودبابات “إم 1 أرامز” وجملة من الرادارات وطائرات “الدرونز” وغيرها.

الصحيفة – حمزة المتيوي

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة adblock

المرجوا توقيف برنامج منع الإعلانات لمواصلة التصفح